هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

522: عالمية مزدوجة للبنان: “كورال الفيحاء”

عالمية مزدوجة لـلبنان: “كورال الفيحاء”
17 تشرين الثاني 2007
وارسو (بولونيا) – 522 –
الأهمّ من نيلها الجائزة الأُولى لـ”أفضل كورال” والجائزة الأُولى لـ”أفضل قائد كورال” (في مهرجان وارسو للغناء الجماعي) فوزها الأول بقبول اشتراكها في المهرجان، كون وارسو العاصمة العالمية للأكابيلا (الغناء الكورالي بدون آلات موسيقية) لكثرة التشدُّد بالتركيز على الصوت البشري والأداء والانضباط والإحساس والالتزام بالكتابة التوزيعية للأصوات.
وأبعد من نيلها تينك الجائزتين، كان الطريق الى وارسو لنيلهما، لِما في مهرجان وارسو من صعوبة فائقة في نيل القبول بموافقته، حتى أن مجرد القبول بطلب جوقة للمشاركة فيه هو في ذاته نجاح، لصرامة معايير لجنته التحكيمية في مستوى الجوقات.
“كورال الفيحاء” دخلت هذا المهرجان مرتين: عام 2005 وقطفت الجائزة الثانية، والأُخرى الأسبوع الماضي وقطفت المرتبة العالمية الأُولى في الجائزتين. وكان ذلك باسم لبنان،حتى إذا أعلن رئيس جمعية “ليرا” (القيثارة) فوز لبنان، اشتعلت الصالة الكثيفة الحضور تصفيقاً وحماسةً ووقوفاً للبنان وجوقته المميّزة، كأنما لبنان يعني كل واحد من الحضور، وكأنما كل واحد هو الذي نال الجائزة. وحين أخذ أعضاء الجوقات الأُخرى يتوافدُون لتهنئة قائد “كورال الفيحاء” المايسترو باركيف تاسلاكيان، كانوا كأنهم هم يتلقّون التهنئة، لسموّ النّزاهة الفنية ورفعة التنافس الراقي وتقدير التقنية العالية التي لمعت بها “كورال الفيحاء”.
الطريق الى وارسو لم يكن سهلاً. كان عنوانه: الثقة بالنفس. وحين التقيت باركيف تاسلاكيان في طرابلس قبل أسابيع وأخبرني عن قبول لجنة مهرجان وارسو مشاركة “كورال الفيحاء” في المهرجان، لم يقل لي إن الكورال ستشارك بل قال لي في حزم: “سنذهب الى وارسو لنستلم الجائزة الأُولى”. قالها كأنه نالها، كأنه فاز بها، كأنه تبلغ فوزه قبل الفوز.
هذه الثقة بالنفس نابعة، لدى باركيف تاسلاكيان، من اثنين: امتلاكه طواعية فريقه في التلبية بالإحساس وبتنفيذ التقنية، وامتلاكه مادة غنائية تراثية غنية تميز بها بين سائر الجوقات المشاركة في مهرجان وارسو. فالإحساس رئيس لديه، ويردد دائماً لأعضاء فريقه (كما عاينتُ خلال حضوري التمارين المضنية) أن الأداء الآلي، ولو مطابقاً جميع القواعد العلْمية، لا يكفي للوصول إن لم يكن مغمَّساً بإحساس عميق في التعبير واللفظ ومخارج الحروف واحترام الكتابة التوزيعية حتى أصغر نوطة. ومادته الغنائية (ألحان لبنانية للأخوين رحباني وزكي ناصيف وأرمنية لغوميداس،ومقطوعات فولكلورية تراثية) جعلت ريبرتواره كلاسيكياً ذا وزن مغاير في المهرجان، أتاح له إبراز مواهبه القيادية وقدرة أعضاء فريقه على الأداء الصعب في سلاسة احترافية، مع أن جميع أعضاء جوقته هواة متكرِّسون مترهبنون متصومعون في هذه الكورال التي باتت بيتهم الثاني ومُجتمعهم الأول.
التهنئة بالجائزتين العالميتين تذهب أيضاً (عدا الكورال قائداً وأعضاء) الى راعي هذه الجوقة المميزة: اتحاد بلديات الفيحاء (طرابلس، المينا، البدّاوي)، وداعميها: بلدية طرابلس، بلدية الميناء (فلا رواتب لأعضائها ولا أجور، والعضوية فيها تطوُّعية رغم قسوة التمارين وكثافتها – ثلاث ساعات ثلاث ليالٍ أُسبوعياًً)، ونبلاء كرام يَمدّونها بالدعم عند الحاجة: مؤسسة الصفدي، جمعية العزم والسعادة، مؤسسة الحريري، وسواها.
وكم كانت عظيمة، عند إعلان النتيجة، لحظة رأى جمهورُ القاعة الأعلام اللبنانية ترفرف على المسرح، فوقف يصفق شاهداً على نصر عالمي للبنان الذي كان الوحيد (بين دول المشرق والمغرب العربي) للاشتراك في هذا المهرجان الصعب الرفيع والفوز بالمرتبة الأولى في جائزتين معاً، متقدماً على أعرق دول الغرب (إنكلترا، السويد، تشيكيا، روسيا، بولونيا، …).
إنها من “كورال الفيحاء” علامة نصر جديدة للبنان في العالم.