هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

506: جيشنا الذي أنقذ طرابلس والشمال

السبت 21 تموز 2007
– 506 –
عن تراثنا المبارك أنّ ملوك صور وصيدون وأرواد كانوا يجتمعون في ناحية من الشاطئ الفينيقي يستعرضون شؤون ممالكهم الثلاث، في أول ظاهرة من نوعها لتنظيم أوضاع الأمم المتضامنة. وترميزاً لذاك الاجتماع الثلاثي السنوي، سَمّوا تلك الناحية “المدن الثلاث” (الثلاث:Tri) والمدن (Polis)، وهي المعروفة في لغات العالم بهاتين اللفظة والتسمية (Tripoli)، وفي العربية “طرابلس”. وهكذا تكون مدينتنا الغالية طرابلس رائدة ما سيصبح بعد قرون معروفاً بـ”منظمة الأمم المتحدة”، فتكون طرابلسُنا أول أمم متحدة في التاريخ، ويكون مولدها على أرض لبنان.
هذه الطرابلس الغالية، منذ ثمانية أسابيع، مسرح بطولات لبنانية رائعة يمتد عند أطرافها وصوب الشمال، لتطهير أرضنا هناك من إرهاب كان ينوي بلبنان شرّاً لو تحقق لكان الكارثيّ الأشرس في تاريخ لبنان الحديث.
طوال تلك الأسابيع الثمانية كان في بعض المناطق اللبنانية الأخرى لبنانيون خائفُون لازمِين بيوتهم خشية الخروج، قال، “بسبب ما يجري في الشمال”، بينما أهل طرابلس الأحباء يزاولون حبّ الحياة في حياتهم اليومية (لا بدون حذر ضروري طبعاً) في إيقاعٍ حيويّ عناديّ يتحدَّى نَهارات الموت بليالي الحياة.
وأكثر: يُبدي الطرابلسيون (تحديداً، والشماليون عموماً) التفافاً رائعاً حول الجيش، عارضين خدماتهم له ودعمهم وحضورهم المادي والمعنوي واللوجستي، والجيش يشكرهم ولا يقتبل منهم سوى التفافهم حوله، يقوى بهم فيشعر أنه بين أهل له يشاركونه المقاومة والصمود والحزن القاهر على شهداء له ولهم أبطال تعدوا المئة، سقطوا ضحايا الغدر في ساحة الشرف.
هذه هي طرابلس الغالية، طرابلس اللبنانية، طرابلس لبنان، لا عاصمته “الثانية” بل نبض واحاته العريقة جميعاً، عروساً بهيةً ذات هيبة تتغاوى وعرائس مدن لبنان التي تحمل في صدرها تراث العصور الحضارية العظيمة.
هذه هي طرابلس اللبنانية الواحدةُ العائلات اللبنانية المتعددة، طرابلس الحكيمة التي تتآخى فيها مئذنة جامع طينال وهامة قلعة سان جيل وقبّة جرس مار مارون، ويتخاصر فيها شارع الشيخ نديم الجسر مع شارع المطران، وتأبى كل فئوية ومذهبية، وتخلع عنها صيغة “التعايش والعيش المشترك” لأن فيها حياةً واحدةً موحَّدةً أثبتت بها طوال “حروب” الآخرين على أرض لبنان أنها لم تفقد الانفتاح على المواطنية الواسعة، ولا التفاعل مع أبعد مواطن لبناني في أقصى الجنوب أو البقاع أو الجبل.
هذه هي طرابلس اللبنانية التي يخشع فيها المسيحيون لصوت المؤذن “الله أكبر”، ويكبّر فيها المحمديون لصوت المسيحيين “كيرياليسون”، فتتّحد في طرابلس “باسم الله الرحمن الرحيم” مع “باسم الآب والابن والروح والقدس”.
هذه هي طرابلس اللبنانية التي ترفض الانتماء إلى أية هوية غير هوية لبنان، وترفض كل وجود مسلّح غير جيش لبنان، وترفض كل حياةٍ في ظل “الإمارات” ولا تعترف إلا بحياة لبنان اللاطائفية واللامذهبية واللافئوية واللااصطفافية لخارج لبنان.
هذه هي طرابلس اللبنانية الحبيبة التي أنقذها جيش لبنان، هي والشمال الحبيب، فأنقذ معها شرف كلّ لبنان الذي تدنّس جنوبه بالعدوّ المحتل فأنقذه أبطال المقاومة، وتدنس شماله بأوكار الإرهاب فأنقذه جيشه الذي – حين خرج من إعاقاته السياسية المصلحجية الانتمائية في لبنان لخارج لبنان – أثبت أنه (بالمتوفِّر الراهن لديه) أنشب غضبه العظيم على كل من يهجِس بتدنيس شبر واحد من أرض لبنان المقدسة.
إرادة الحياة، في طرابلس وفي الشمال وعلى كل حبة تراب لبنانية، هي تحدّي القدر اللبناني الذي اعتاد أن يشهد غزاةً مُحتلّين هولاكيّين يستبيحون أرض لبنان، ثم لا يلبثون أن تنتهي تحركاتهم لوحاتٍ متجمِّدةً على صخور نهر الكلب.