هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

496: هل نتعلّم من مناظراتهم؟

السبت 5 أيار 2007
– 496 –
غداً الأحد: الانتخابات الرئاسية في فرنسا. والمناظرة التي جرت (مساء الأربعاء هذا الأسبوع) لا بُدّ أن يكون لها تأثير (بنسبة ما) على الناخبين الفرنسيين في فرنسا والعالم. صحيحٌ أنّ الناخب الفرنسي المقتنع بالسيدة سيغولين رويال أو بالـ”الحاج نقولا” ساركوزي قد يبقى على قناعته (لاعتبارات حزبية أو انتمائية)، لكنّ بين المرشحَين الشابَّين (وما أعظم أن تتبنى فرنسا العريقة التاريخ والإرث رئيساً شاباً أو رئيسة شابة للجمهورية) فارقاً ضئيلاً في النسبة كان معه الناخبون المترددون مشدودين إلى الشاشة كي يَختاروا بين مدام سيغولين و”الحاج نقولا”.
الشاهد هنا: هذان المرشّحان تناظرا في مواضيع تهم الفرنسيين من أبسطها إلى أكبرها، من أسهلها إلى أخطرها، فاستعرضا مواقفهما في السياسة الداخلية والخارجية، في التربية والبيئة، في الحقوق الاجتماعية، وفي نقاط حساسة تهم الناخب وتحدو به إلى اختيار من يرغب أن يوصل لتحقيق ما جرى البحث فيه خلال تلك المناظرة أو إبان الحملة الانتخابية.
ما يعنينا نحن: ليس التوقف عند المناظرة الرويّالية الساركوزية، بل عند ظاهرتها: مرشحان يتنافسان على رئاسة جمهورية بلاد (فرنسا غداً الأحد، أو الولايات المتحدة عند كل انتخاب رئاسي)، يظهران أمام أهل البلاد فيستعرضان مواقفهما من القضايا الرئيسة، ويتبصّر الشعب برنامج كل منهما لمستقبل البلاد في الولاية الرئاسية التالية.
هذا في البلدان الراقية المتقدِّمة، فأين نَحن من هذه الظاهرة؟ وهل نَجرؤ على أن نقارن بين هناك وبين ما عندنا؟ أيَجوز لنا أن نكون في منظومة الدول المتطورة حين تنحصر رئاسة الجمهورية عندنا بِمرشَّح وحيد “يهبط” علينا من دولة جارة أو شقيقة أو صديقة أو بعيدة، أو من سفارة أو مندوب أو مفوّض “سامٍ” يفرض علينا أنْ: “فلان… وإلاّ”، أو يتناحر الأفرقاء السياسيون عندنا (يخزي العين عنهم كأنهم هم مالكو قراراتهم) فـ”يفرضون” على الناس مرشحاً واحداً ووحيداً لأنه يرضي هذا الفريق أو ذاك دون اعتبار إن كان يرضي المواطنين أو الوطن، أو يتبارى مرشحون إلى الرئاسة بدون برنامج طبعاً بل بطريقة “عنترية دونكيشوتية” انطلاقاً من مبدأ “أنا أو لا أحد سواي”، أو تتداول الصحف هذا المرشح أو ذاك وفق هوى الصحافي أو تَمريراته أو تسريباته فيما هو مقتنع (ومعه المواطنون اللبنانيون في لبنان والعالم مقتنعون) أن رئيس لبنان ليس من صنع لبنان بل (ويا عارنا أمام العالم!) يقرره الخارج ثم يهبط على اللبنانيين إلى قصر بعبدا مروراً (شكلياً) في ساحة النجمة!
هل تتغير المعادلة هذه المرة؟ نتمنى. ولكن حتى اليوم لا مؤشرات على ذلك. ولا أدري إن كان أحفادنا أو أحفادهم (وقدر لبنان أن يكون في هذه البقعة التوتاليتارية من الأنظمة العربية) سيرون مرشحَين اثنين على رئاسة لبنان يتناظران أمام اللبنانيين على شاشة التلفزيون، حتى يتبصّر اللبنانيون برنامج رئيسهم من أجلهم للسنوات الست التالية.
في كل بلد من العالم “بازار” سياسي يؤثّر في الانتخابات الرئاسية، تتفاوت فيه نسبة الناخبين بحسب الانتماءات، لكن “البازار الرئاسي السياسي” عندنا يطيح الدستور مرة، ويطيح المعايير المواطنية مرات، فيصبح الموضوع حديث المقاهي والصالونات والساحات وسائقي التاكسيات، والشعب ليس هو الناخب، والجميع عارفون بأن لا قرار لهم في انتخاب الرئيس، ومع ذلك يتحمّسون وينساقون عميانياً أغنامياً قطعانياً ببغاوياً تَهييصياً غرائزياً وراء بابازات عشائرهم وأسياد مزارعهم وزعماء قبائلهم، بحسب أهواء أو “ولاءات” أولئك الزعماء والأسياد والبابازات.
ثم… ما لنا نحلم بمرشحَين يتناظران حول برنامج رئاسة لبنان أمام الناس حين سياسيونا لا يلتقون معاً إلى طاولة حوار، بل هم “حردانون” يتخاطبون عبر موفدين أو سفراء أو وسائل إعلامية، غير مدركين أن بوابة الباستيل لا بُدّ أن تنفتح، وسوف تُطيحهم جميعاً وتُحرق كراسيهم جميعها في موقدة الشعب القرفان الغاضب.