هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

480: قبل أن يتغيَّر وجه لبنان

السبت 6 كانون الثاني 2007
– 480 –
قبل عشر سنوات، في حديث مع الشاعرة لميعة عباس عمارة، بادرتْني: “بين أجمل ما أحبّه في لبنان: سماعي في لبنان عبارة “الرئيس السابق” (للدلالة على تداول السلطة بعكس ما في دول المنطقة)، وحرية التفكير والتعبير (للدلالة على كَمّ الأفواه والأقلام في دول المنطقة). وختمَت: “إياكم! إنتبهوا إلى هذه الخصيصة، لا تضيعوها. حافظوا عليها”.
لو تعلم لميعة اليوم، وكل لميعة وكل لميع، أن هذه الخصيصة اللبنانية المميزة في دول المنطقة، هي المستهدف اغتيالها اليوم.
والأنكى والأشد قهراً وغضباً وقرفاً معاً: السعي إلى هذا الاغتيال بأيدي أبناء البيت المهدَّد بالسقوط على جميع الرؤوس.
فأين في غير لبنان تجد الحكومة أنها مكبلة ومحاصرة سياسياً ولوجستياً ومكانياً، وفي موقع الرد على الهجمات والقيام بتبريرات وتوضيحات وردود وتعطيل شؤون الناس لأن أركانها لا يستطيعون الذهاب إلى وزاراتهم لتصريف شؤون الناس؟
وأين في غير لبنان يتاح للمعارضة التنطُّح للموالاة بجميع قواميس الشتم والإقذاع والهجوم الشخصي الشخصاني والدعوة إلى إضرابات واعتصامات في الشوارع والخيام والشوادر واغتصاب البنية التحتية لمدينة خرجت أنيقةً من دمار الحرب؟
وأين في غير لبنان حرية الصحافة والإعلام وتتحول وسائلهما متاريس إعلامية ومنابر هجوم وتحريض باسم الديمقراطية؟
وأين في غير لبنان مسموح بهذه “الرحابة والاستضافة” تَمَلُّك الأجانب بدون رقيب ولا حسيب حتى لتغدو أرض لبنان ذات يوم (قد لا يكون بعيداً) ذات نسبة غير متساوية ولا متناسقة مع الواقع الديمغرافي اللبناني؟
وأين في غير لبنان يدخل غير اللبنانيين ويبقون ويتملّكون ويعملون ويؤسسون ولا رقابة على دخول الأجانب الذين لا تسمح سويسرا (مثلاً، ألسنا نحن “سويسرا الشرق”؟) بأكثر من 6% على أراضيها دفعة واحدة، كي تحافظ على التوازن والمراقبة والمتابعة وقبل أن يتفاقم العدد فيفكِّر بينهم من يقيم دولة ضمن دولة؟
وهل يعي اللبنانيون، من أيّ موقع كانوا أو في “متراس” كانوا اليوم، كيف الوضع في دول هذا المحيط العربي المكموم الصحافة والمنابر والشاشات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، المكموم الخطابة والكتابة، والتفكير والتعبير، والكلام والاعتصام، والتظاهرات واليافطات، وممارسة الشعائر بالجهر العالي وإطلاق الشعارات في العلالي، و”قوانين” تعليق الصور الكبيرة واللافتات؟
هل يدرك اللبنانيون شو يعني أن نصبح مثل الكثير من دول المنطقة حولنا في محيط توتاليتاري بشكل أو بآخر، بدرجة أو بأخرى، بـ”قناع” أو بآخر، بترهيب وترغيب و”تهذيب”؟
هل يعلمون، شعباً وقادة وزعماء، أن لبنان الحاجة والضرورة لمحيطه وللعالم، لن يعود سوى نسخة باهتة عن محيطه فلا يعود حاجة لأحد ولا ضرورة لأي مكان، ويرمى في هامش الدول المنْزوية في نسيان العالم الثالث؟
وهل يدركون أن الخطب التي يسمعونها من قادتهم، جميع قادتهم من أقصى الموالاة إلى أقصى المعارضة، ليست أصواتاً بل أصداء لمصالح من هنا أو دوافع من هناك، معظمها شخصي شخصاني كي يصل أصحاب الخطب لا مستمعوها؟
لو تعلم لميعة اليوم، وكل لميعة وكل لميع، أن حرب 1975-1992 لم تهدّم كيان لبنان، وأنّ ما يجري اليوم هو أخطر من تلك الحرب، لأنه التآمر في لبنان ومن لبنان على لبنان بتغيير الهوية والكيان والتمايز والفرادة والرسالة والإرث والتراث والجذور والحضارة والمعالم والإشعاع اللبناني الفريد في العالم ليصبح اللبنانيون في الخارج خوارج غرباء حتى على بيوتهم وأهاليهم؟
خطر ما يجري اليوم في لبنان أنه لا يخلخل بنية لبنان التحتية والفوقية، بل يخلخل هوية لبنان، أي كيانه، أي وجهه الذي يجعل منه فريداً مغايراً، ولأنه كذلك يتآمر اليوضاسيون من أهل البيت والفريسيون من خارجه على تغيير وجهه.
ويا صداع اللبنانيين ويا انصداع هذا الشرق، إذا تغيَّر وجه لبنان.