هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

479: بلاغة تحتذى لعام 2007

السبت 30 كانون الأول 2006
– 479 –
وصلتني بالبريد الإلكتروني هذه الرسالة:
“الفارق بين الدول الفقيرة والدول الغنية ليس عمر الدولة في التاريخ. ففيما مصر والهند عريقتان في القِدَم، ما زالتا فقيرتين، بينما كندا وأستراليا ونيوزلندا لم تكن ملحوظة قبل 150 سنة وهي اليوم دول متطورة وغنية.
والفارق بين دولة غنية وأخرى فقيرة ليس في ما لديها من موارد طبيعية. فبينما اليابان ذات موارد طبيعية محدودة (80% من أراضيها جبلية وغير صالحة للزراعة) هي اليوم ثاني دولة اقتصادية في العالم: تستورد المواد الأولية من كل العالم وتصدّرها مصنَّعة إلى كل العالم.
وبينما سويسرا لا تزرع الكاكاو، هي اليوم أفضل دولة في صنع الشوكولة، وفي مساحتها الضئيلة تربي المواشي وتزرع الأرض طيلة أربعة أشهر فقط من السنة، ومع ذلك تُنتج أفضل جبنة ولبنة ولبن وحليب، وصورتها في العالم أنها دولة آمنة، منظَّمة، مجتهدة، وإحدى أكثر دول العالم أماناً.
والتنفيذيون في الدول الغنية لا يتفوَّقون فكرياً على نظراء لهم يتعاونون معهم في الدول الفقيرة. وكذلك لا تأثير مطلقاً للعرق أو لون البشرة، فالمهاجرون الذين كانوا كسالى في دولهم الفقيرة، أثبتوا مهارة وجهداً حين عملوا في الدول الأوروبية الغنية أو الدول المتقدمة المتطوّرة.
إذاً أين الفارق؟ إنه في قرار سلوكي حازم يتكوّن عبر السنوات من التربية والثقافة ببناء دولة لا بتنشئة أزلام لأشخاص.
وبتحليل سلوك الشعوب في الدول الغنية، نجد أنها في عيشها اليومي تتّبع المبادئ التالية: الأخلاقيات (أساساً أول)، الاستقامة والنّزاهة، حس المسؤولية، احترام القانون والنظام، احترام حقوق الآخرين، احترام العمل، الدقة في المصروف والادّخار، إرادة بلوغ الأفضل، الدقة في الوقت والمواعيد. وهي مبادئ لا تتّبعها في عيشها اليومي إلا قلة قليلة في الدول الفقيرة.
الشاهد من كل هذا: الدولة الفقيرة ليست تلك التي تصاب بكوارث طبيعية أو تفتقر إلى الموارد الطبيعية بل التي تفتقر إلى القرار الحازم في الإقرار بنقاط الفقر تلك، وفي اتّباع المبادئ الأساسية أعلاه، لأن على اتّباعها يقوم نجاح الدول الغنية”.
وتنتهي الرسالة بهذه العبارة: “إذا كنتم تحبون بلادكم، أنشروا هذه الرسالة في شعبكم لعلّ قسماً منه كبيراً يتنبّه ويرعوي ويتأمل ويؤول إلى التغيير الفاعل في عروق المجتمع”.
أهمية هذه الرسالة (بما تعنيه لنا في لبنان) أنها تنطبق – في سلبياتها – على الكثيرين في صفوف شعب لبنان داخل لبنان، بينما لا تنطبق على الذين من شعب لبنان في الخارج يمارسون (أو تعلّموا أو تأقلموا أو دخلوا في أخلاقيات انتظام أن يمارسوا) احترام القانون والنظام والعمل وحقوق الآخرين، والاستقامة والنّزاهة، وحس المسؤولية، والدقّة في الوقت والمواعيد.
أما داخل لبنان فشعب يعيش معظمه على الفوضى، وفي الفوضى، ومن الفوضى، لا احترام عنده للنظام ولا للقانون ولا للوقت ولا للمواعيد ولا للأخلاقيات الضميرية والسلوكية في التعامل، شعب يعيش يومياته الأميّة على التنبلة والأركيلة ولعب الطاولة والتدخين و”المعليشية” والمحسوبية والاستزلام ومشاهدة التلفزيون والحكي في السياسة والاصطفاف قطعانياً وراء سياسيين معظمهم (بقياس أقطاب السياسة العالمية) في أدنى مستوى التعاطي السياسي والتعامل السياسي والأخلاقيات السياسية.
مع إطلالة هذا العام الجديد 2007، وبعيداً عن سخافات التنظير والتبصير والتنبُّؤات الفلكية، فلنتأملْ حقاً وفعلاً وعملاً في بلاغة هذه المبادئ أعلاه، تحتذيها الدول الناجحة الغنية وتطبّقها في نظامها وانتظامها ونُظُمها. وعندئذٍ فلنتشدّقْ ولنتبجَّحْ ولنتغرغرْ ما شئنا بتعابير من وزن “تحت السما ما فيه لبنان”.