هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

471: … ومن قال إن الشارع مُلكٌ لكم؟

السبت 4 تشرين الثاني 2006
– 471-
لا يكاد الواحد منكم ينتهر أخصامه بمرجلة “الشارع” حتى يتنطّح خصم له يهدِّد بـ”الشارع” المقابل.
هكذا، بكل بساطة. بكل ثقة. بكل تصميم. يتناطح السياسيون عندنا بـ”الشارع” و”الشارع المقابل”، كأنَّ الشعب عندهم قطيع، كأنه “روبوت”، كأنه جهازٌ أبله أصمّ أبكم جاهز يديرونه بكبسة زر من الـ”ريموت كونترول” في يدهم.
لماذا؟ كيف؟ بأية صفة؟ بأية دكتاتورية؟ ومتى كانت السلطة في لبنان توتاليتارية كسلطاتٍ عند سوانا في هذا العالم الثالث بين أيدي توتارليتاريين كاريكاتوريين يُجْرون “استفتاءً” شعبياً تجيء نتيجته 99،99% من جماهير “بالروح بالدم نفديك” حتى إذا وقعت الواقعة لحقوا بالدكتاتور إلى السواقي يشبعونه ضرباً ولَكْماً، أو انهالوا على تماثيله وأنصابه بالمعاول والأحذية؟
هل هذا هو “الشارع” الذي يهدِّد به السياسيون اللبنانيون بعضهم بعضاً؟ ومتى أصبح “شارع” لبنان توتاليتارياً أعمى منقاداً تَهييصياً ببَّغاوياً كما يتصوَّر البعض من “بيت بو سياسة” عندنا؟
هل هؤلاء الآلاف (مهما تألّفوا وتكاثروا وتناسلوا) هم فعلاً أكثرية الشعب اللبناني التي يتباهى بإحصائها (وتجهيزها لـ”الشارع”) هذا الفريق أو ذاك من السياسيين؟ وهل أصبح الشعب اللبناني مجموعة قطعان من الماعز أو الأغنام يقودها هذا السائس (ألَيس السياسي مَن “ساس” الناس؟) أو ذاك أو ذلك أو ذيالك من زعماء الطوائف والقبائل والمزارع والعشائر في لبنان؟
وهل هؤلاء المهيِّصون (حاملو اليافطات والصوَر) المتمَهْرجون (في المهرجانات السياسية) والمتجَمْهرون (في الساحات السياسية على امتداد الوطن) هم “الأكثرية” التي يدّعيها هنا قائد وهناك زعيم وهنالك سياسي؟
مش صحيح. مش صحيح أبداً. هؤلاء التهييصيون المغسولو الدماغ ليسوا (ولا يمكن أن يكونوا) أكثرية في حسابات أحد، ولا دمىً في يد أحد، ولا حبوباً في مسبحة أحد. وأولئك الآلاف الذين يلبُّون فيحتشدون هنا أو هناك أو هنالك، مهما بلغت أعداد مئاتهم وآلافهم، يظلون أقلية عند احتساب الشعب اللبناني.
تريدون الأكثرية الصحيحة؟ إنها تلك المجموعات من آلاف الآلاف الباقين كراماً في بيوتهم، يتابعون من بعيد، ويشمئزون ويقرفون من بعيد، ويخنقون في قلوبهم آخر نبضات الحرقة على أولادهم الذين سافروا (وربما لن يعودوا) مفضّلين أن يظلُّوا في الخارج معزَّزين في بلدان تحترم قيمة الإنسان الفرد، على أن يكونوا هنا حطباً في مواقد هذا السياسي، أو حبوباً في سبحة ذاك السياسي، أو أكتافاً يمتطيها ذلك السياسي كي يرفع بإصبعيه شارة النصر وهو مرفوع على أكتاف أولادهم.
هذه هي الأكثرية الحقيقية التي ليست (ولن تكون) خانعة تحني رقابها تحت نير السياسيين، وليست (ولن تكون) جمراً يحترق كي تضيء نار السياسيين، وليست (ولن تكون) أيدي مرفوعة بيافطات (أو صوَر أو شعارات) هذا أو ذاك من السياسيين.
الأكثرية الحقيقة؟ هي هذه التي كلُّ صوت فيها يردِّد (قهراً واشمئزازاً) مع جبران: “لكم لبنانكم ولي لبناني… لكم لبنانكم بأغنامكم ومحاسيبكم وأزلامكم تغسلون دماغهم كل يوم بشعاراتكم التي تجعل الدولة مصلحة عندكم، ولي لبناني بالمخلصين الذين يجعلون مواطنيّتهم في مصلحة الدولة”.
لا يكاد الواحد منكم ينتهر أخصامه بمرجلة “الشارع” حتى يتنطّح خصم له يهدد بـ”الشارع” المقابل؟ ومن قال لكم إن “الشارع” اللبناني مُلْك لكم؟ ومتى “استشرعتم” اللبنانيين مطَأطَإي الرؤوس أمامكم، وقد ولدتهم أمهاتهم مرفوعي الرؤوس؟
مبروك عليكم كل جمْع تجمعونه في مجامع تجمُّعاتكم المهرجانية الشارعية التظاهراتية المظاهراتية، ومبروك للبنان شعب الأكثرية الصامتة التي باتت تعرفُكم تماماً وستحمل صمتها (ولو على مضض) وتفجّره لا في وجوهكم بل في… صندوقة الاقتراع.