هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

465: قبل أن يجرفنا هذا الشلال

السبت 23 أيلول 2006
-465-
عن أصدقاء عاينوا أو سمعوا أو اختبروا: السفارات في بيروت الكبرى تزدحم بصفوفٍ من شبابنا طالبي تأشيرات السفر.
مُخيفٌ هذا النّزفُ الذي ينِزّ من شرايين لبنان، كل لبنان، فيُسقِم أعضاءه ومفاصله ولم يعُد بعيداً من أن يصل إلى قلبه.
قلب لبنان ينْزف؟ ماذا بعد؟ أيّ وطنٍ هذا الذي سيَسقَم قلبه، يضعف، يمرض، ثم ينهار؟ ماذا يبقى بعده؟ ومن يبقى؟ ومن يتولى لبنان بعدئذ؟ هؤلاء السياسيون أنفسهم الوارث معظمهم زعامتَه السياسية أو الواعدنا معظمهم أن يورثها لأبنائه؟
هؤلاء الذين، في معظمهم، أوصلونا إلى هنا، هل هم الذين سيكملون حكم لبنان: بهم أو بأبنائهم من بعدهم؟
نظرةٌ سريعة إلى صفحات الوفيات في الصحف، تكشف أمراً ندر أن تنبّه إليه أحد: في كل نعي تقريباً أبناء أو بنات أو أشقاء أو شقيقات أو أنسباء أو أقرباء “في المهجر”، ما يدلّ على أنّ لكل أسرة في لبنان أعضاء “في المهجر”.
هذا كان في السابق، وهاجر من هاجر، و”اغترب” من اغترب، واستقر هناك من استقرّ، كما يظهر في نشرات النعي.
واليوم؟ ماذا عن اليوم؟ من يوقف هذا الشلال من شبابنا وأولادنا وأحبابنا الناطرين على أبواب السفارات أن يروا على باسبورهم اللبناني تأشيرة سفر للدخول إلى أية دولة أجنبية يهرعون إليها تأميناً لمستقبل لم يجدوه في أرضهم الأم ووطنهم الأول.
من يوقف هذا الشلال الخطير؟ من يوقف هذه الفاجعة؟ من يوقف هذا النّزف الذي يُفرغ دمَ لبنان من شرايين لبنان؟
هؤلاء الـ”بيت بو سياسة” المتصايحون من متراس إعلامي إلى آخر، ومن منبر صحافي إلى آخر، هل يعون هذه الكارثة؟ وهل يعرفون أن مواقفهم الحادة الانفعالية الشخصانية الشخصية الشخوصية تزيد من هرب هذا الشلال خارج “المياه الإقليمية”؟
بِمَ نُقنع شبابنا “المتشلّلين” اندفاعاً إلى السفر؟ والأصح: بِمَن نُقنعهم؟ بأيِّ واحد من هذا الطقم السياسي الذي ما زال هو هو منذ نصف قرن يحكم لبنان بزعامات موروثة أو مرشحة للتوريث، وشبابُنا يهربون. يفقدون الثقة ويهربون. يقرفون ويهربون. يلعنون ويهربون. لا يتطلعون وراءهم ويهربون. وقد يجرفنا شلالهم إلى فراغ في الوطن قاتل وخطير لا تعويض بعده.
ماذا ينفعنا “التغنّي” بأنّ اللبنانيين المغتربين والمتحدرين من أصل لبناني يبلغون 14 مليوناً في العالم (أو أكثر أو أقلّ، بحسب انفعال القائلين، ولا إحصاءات دقيقة حول هذا الرقم) في حين لا نستطيع هنا بين ثلاثة ملايين فقط (أو لا يستطيع أولياء الحكم في لبنان) إيقاف هذا الشلال المتدفق من خيرة شبابنا وأدمغتنا إلى الخارج كي يضافوا إلى الملايين “المغتربة” أو “المتحدرة”؟
ماذا ينفعنا “التغني” بأن في العالم ما يزيد عن 100 برلماني متحدّر من أصل لبناني (بين البرازيل وكولومبيا والتشيلي والأكوادور وكندا و ﭬنزويلاّ والمكسيك…) وبرلمانيونا هنا لا “يتحدّرون” من “أصل ولاء واحد” في كيفية الحفاظ على لبنان؟
ماذا ينفعنا “الاعتزاز” بمبدع لبناني نبغ في الخارج فنال جائزة عالمية أو تبوَّأَ منصباً عالياً أو اكتشف أو اخترع أو برع في ميدان عمله وحقل اختصاصه هناك فنروح هنا نتبجّح ونتغنى ونعتزّ ونفاخر ونباهي بأنه “من أصل لبناني”، وحين كان هنا لم نجد له فرصة عمل ولا مناخ أمان ولا أُفْقَ وصول، لأنه لا يحمل بطاقة توصية من زعيمه السياسي أو مرجعه الديني أو المذهبي؟
ماذا ينفعنا أن نتابع حلقات الـ”توك شو” السياسية التي صارت، في معظمها، موضع قرف اللبنانيين من متابعتها وتمضية ساعات السهرة أمام سياسيين يمارسون التنظير العقيم والقصف السياسي على خصومهم، ومعظمهم في نهاية الأمر أحجار داما بين أصابع أسيادهم أو مراجعهم أو رؤسائهم في الداخل أو في الخارج، و”الشمس شارقة والناس قاشعة”؟
فيا أيها الجهابذة من “بيت بو سياسة”: على أبواب السفارات في لبنان شلاَّل من شبابنا الهاربين منكم ومن الوطن بسببكم، فسارعوا إلى وقف هذا الهدر، هذا الخطر، هذا النّزف البطيء في شرايين لبنان، قبل أن تستفيقوا يوماً فتجدوا أنكم أصبحتم زعماء على بيوت خالية أصبح أصحابها في… المقلب الآخر من البحر.