هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

457: … وجعلتموه شحّاذاً على أبواب الدول

السبت 29 تموز 2006
-457-
إذاً هذه هي النتيجة؟؟ أن نطرح الصوت على الدول: “دخيلكم ساعدونا: عندنا أطفال جائعون، عندنا مشرَّدون، عندنا نازحون، عندنا مهجَّرون، عندنا يتامى، عندنا مرضى، عندنا عَجَزة، عندنا أرامل، عندنا جسور مهدومة، عندنا طرقات ملغومة، عندنا نفوس مهدومة، عندنا عزائم مهزومة، عندنا سياسَات ملعوبة، عندنا دولة منكوبة، دخيلكم ساعدونا”؟
الى هنا وصلنا؟ إلى هنا أوصلتنا سياساتكم يا قادة ويا رؤساء ويا سياسيين ويا أبناء السياسيين الذين ورثتم السياسة عن آبائكم وأجدادكم وأوليائكم وسلالاتكم وعشائركم ومزارعكم وقبائلكم وأحزابكم وجماعاتكم وأزلامكم والمحاسيب؟
هذا هو لبنان الذي أوصلتُمُونا إليه: البلد المنكوب كأفقر دول العالم، كأتعس دول العالم، كأذلّ دول العالم؟
هذا هو لبنان الذي منذ نصف قرن أسلمناكم قيادته وقلنا لأبنائنا: “هؤلاء هم قادتُنا وسياسيّونا الذين سَيَبنُون لكم لبنان المستقبل”؟ وماذا سنقول لأبنائنا الذين هاجروا أو هَجَروا أو تَهجَّروا أو اهجَوجَروا لو سألونا: “هل هؤلاء هم القادة الذين سلّمتُمُوهُم قيادة لبنان منذ نصف قرن؟ إلى هنا أوصلوا لبنان بعد نصف قرن: جمجمةَ دولة لا رأسَ دولة، وهيكلَ دولة عظميّاً لا جسم دولة، وكاريكاتور حكّام لا قامات حكام”؟
هذا هو لبنان الذي ملأتُمُوه شعارات على الحيطان ويافطات فوق الشوارع وركبتم فوق أكتاف شباب حَمَّستموهم بشعارات وإيديولوجيات والتزامات وقوميات ووطنيات وكلمات وخطابات وحماسيات ودونكيشوتيات، فتخرّج على أيديكم نفرٌ من جيل شباب مغسولي الدماغ ينادون بكم لا بالوطن، وبكراسيكم لا بعمارات الدولة، وبانتماءاتكم لا بلبنان اللبناني.
هذا هو لبنان الذي تَمتَّعتم بخيراته لكم ولسلالاتكم من بعدكم، وحين هاجم الغول خيراته ونِعَمَه كسرتم أيديكم وشحذتم عليها وطرحتم الصوت على الدول كي تهرع إلى مساعدتكم، وحين، قبل أن تساعدكم، سألتْكم عما فعلتموه أنتم لتساعدوا وطنكم قبل أن تساعدكم الدول، رحتم ترفُسُون طابة النار والتهمة من واحدكم إلى الآخر فيتنصَّل واحدكم من المسؤولية ويضعها على الآخر، ولن يدفع أيٌّ منكما الثمن بل الشعب هو الذي يدفع عنه وعنكم وعن لبنان.
هذا هو لبنان الذي قطفتم مواسمه وضيّفتُموها إلى ذويكم، وحين تصاب مواسمه بالخطر تسارعون إلى تسفير ذويكم كي لا يصيبهم الخطر لا سمح الله وحماهم الله من كل أذى، فيصيب الأذى الشعبَ الذي أوصلكم إلى كراسيكم الدائمة وأوصلتموه إلى مآوى وملاجئ ليس فيها من الكراسي إلا المخلّع الموقّت.
هذا هو لبنان الذي، حين مقاومتُه حرّرت معظم الجنوب، هلّلتُم ونسبتم إليكم كلّكم النصر والتحرير والتبجّح بالتحرير وببطولة لبنان وفرادته بين الدول، ونِمتم على “أمْجادكم” عوض أن تبنوا دولة لتمتين هذا التحرير بدولةٍ مقاومة صلبة وقوية.
هذا هو لبنان الذي سقط منه أروع شبابه على مذبح الشهادة كي يخرج من الوصاية، وحين انزاحت عنه الوصاية نسبتم إليكم البطولة ومظاهرات مليونية قطفتمُوها أنتم ولم تعرفوا منذئذٍ كيف بعد خروج الوصاية تَبنُون دولة قوية لا تحتاج إلى أن تندار على أبواب الدول تشحد المعونات والإعانات والمساعدات والإغاثات والإعاشات لأن شعبها تشرّد لا من بيوت بلا سقف بل من دولة بلا سقف ولا حماية ولا هيبة ولا سلطة ولا أبواب، تستغيثُ بالصليب الأحمر والبنك الدولي والدول التي سميتموها “مانحة” كي تُخفّفوا من ذلّ حالة الضعف والمَسْكنة والفقر و”التسوّل” منذ نصف قرن حتى اليوم.
هذا هو لبنان الذي كان كلّ عمره عنواناً للتاريخ على الصفحة الأُولى من كتاب التاريخ، وأنتم جعلتموه دولةً منكوبة شحَّاذةً على أعتاب الدول، وشعباً منكوباً مستغيثاً مسكيناً مشرّداً بلا دولة ولا حماية ولا ضمانة لِمستقبل أبنائه الذين أول ما سيفعلون حين ينحسر عنهم الموت أن يرموا معظمكم نفاية في مزبلة التاريخ.