هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

445: … وعادوا إلى كمال يوسف الحاج

السبت 1 نيسان 2006
-445-
قبل 13 نيسان 1975 كانت “اللبنَنَة” تُهمة، وكان المنادون بها “انعزاليين”، “طائفيين”، “شوفينيين”، “تقوقعيين” يعملون على تقزيم لبنان “جزيرة منفصلة عن محيطها”. يومها كانت “الموضة” هي الاصطفاف في موجة العروبة والعروبيين والقومية العربية ومناصرة قضايا فلسطين وفيتنام وتشي غيفارا والاتحاد السوفياتي ومناهضة الإمبريالية، وسائر الكليشيهات التي اندفع لها قسم كبير من اللبنانيين بأقلامهم ومُحاضراتهم ومناقشاتهم وتنظيراتهم الكثيرة بالصوت العالي.
بعد 14 شباط 2005 أَصبحت “اللبنَنَة” شعاراً، وتحوّل قسم من المنادين أعلاه إلى المناداة بلبنان اللبناني و”لبنان أوّلاً” و”صُنِعَ في لبنان” و”لبنان وطن نهائي” والى المطالبة الشرسة بترسيم الحدود وترسيخ الكيان اللبناني مستقلاً عن أي كيان آخر، حرّ القرار لا هيمنة عليه ولا سيطرة ولا وصاية، محتفظاً في سيادته باحترام علاقاته السياسية مع الآخرين.
قبل 13 نيسان 1975 كان لا بُدّ من كمال يوسف الحاج. وبعد 14 شباط 2005 بات لا بُدّ من كمال يوسف الحاج. والغريب ألاّ يذكره أحد في مواكب الشهداء، هو الذي لم يستشهد إلاّ لأنه كان رافعاً شعار “لبنان اللبناني”.
اليوم، مع وعي اللبنانيين أنهم كادوا يخسرون لبنان من دون أن يربحوا سواه، تأتي المؤلفات الكاملة لكمال يوسف الحاج زاداً للجائعين إلى كيفية ترسيخ لبنان من دون عزله، والى تَجذير كيانه لا “تَجزيرِه”، وفرض احترامه قوي البنية بالمساواة مع الاحترام الذي تتعامل به كل دولة مستقلة مع أية دولة مستقلة في العالم.
كمال يوسف الحاج قال بالفكر اللبناني ولم يُلْغِ سواه (بينما الانفلاشيون نادوا بالفكر غير اللبناني وقالوا بإلغاء كل ما هو لبناني)، ومن ضمن لبنانيته دافع عن اللغة العربية ودعا إلى وضع آثار فكرية فيها (ولم يقُدْهُ إيمانه بلبنان إلى إلغائها)، ونادى بالفلسفة اللبنانية وتراثها الفلسفي الطالع من لبنان فلسفة توافقية تعادلية بين الجوهر والوجود ركناً لبناء لبنان (ولم يسعَ إلى تدمير فلسفات الآخرين)، ونادى بتأسيس الكيان السياسي اللبناني على قاعدة قومية لبنانية (علمية لا انفعالية ولا ردّ فعلية) ذات أبعاد إنسانية وحقوقية، وعمل على تثبيت الوئام الإسلامي المسيحي في لبنان “نصلاميةً” (نصرانية إسلامية) واجه بها الصهيونية بكل عقلانية علمية وشراسة وطنية.
ما العيب إذاً في جميع هذه الدعوات من رؤيويٍّ أراد لبنان منارة الشرق وكتب فيه (بغزارة مدهشة) آلاف الصفحات لبلورة “الذات اللبنانية” في مؤلفات فلسفية نظرية وأخرى فلسفية ملتزمة (دافعت عن اللغة العربية والقومية اللبنانية والفلسفة اللبنانية) فارتفعت مؤلفاته قامات فكر لبناني قائم على مرتكزات وطن قويٍّ متين بتراثه وأعلامه اللبنانيين؟
في الذكرى الثلاثين لغيابه الفاجع، قتيلاً بفأس حاقدة لا لـ”تهمة” سوى أنه كان ينادي بلبنان اللبناني ويسعى إلى التوأمة الدائمة بين عائلاته الروحية، ليس أغلى (كما لكل مؤلف) من جمع تراثه الكامل في مجلدات تبقى للعصور الآتية شاهدة على مفكر لبناني قاوم التيار فاغتاله زبانية التيار، ولم يساوم على فكره اللبناني فاستشهد على يد قراصنة مرتزقة مدفوعين ممن يعيشون على المساومات الزبائنية لكل من لا يريد لبنان الكيان، مفكر لبناني رفع الكرامة اللبنانية شعلة فلاسفة ومفكرين من لبنان، فحطم رأسَه برابرةٌ لا يريدون لشعلة لبنان أن تبقى منارة تتنقل بين اللبنانيين من جيل إلى جيل.
بصدور مؤلفاته الكاملة يعود لبنان إلى رشدٍ أضاعه عليه من ساسوه بالأمس في منعرجات غير لبنانية، وها هم اليوم يتنافسون على شعار اللبننة الذي هو أساس فلسفة كمال يوسف الحاج.