هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

428: نعرف عدوّنا ونتّعظ

السبت 8 تشرين الأول 2005
-428-
بعد صُدور “أزرار” 426 (“الوضعُ السياسي؟ شو يعني؟”- “النهار” 29 أيلول 2005) وردَتْني (بين مجموعة رسائل ومهاتفات) رسالةٌ بالبريد الإلكتروني من المواطن محمد عامري (إدمونتون-كندا) قرأ “أزرار” على الإنترنت. ومما كتب: “ولدتُ ونشأتُ في لبنان ثم سافرتُ الى كندا وأصبحتُ هنا عضواً في المجلس النيابي. أزور لبنان مرة كل سنة، وكل مرة أُغادره وأنا أتساءل بِمرارة: وطننا قطعة جنّة، فلماذا نجعلها جحيماً حياً؟ كلما تحدثتُ فيه الى مسؤول حول الجمود بل التأخر أسمع تحججه بالوضع المحلي والإقليمي والدولي، كأنما لا حلّ لأمر في لبنان إلا بعد حلّ مشاكل العالم. بينما لم أسمع مرة أن إسرائيل تحججت بالوضع الإقليمي كي لا تعبّد طريقاً أو تحسّن الوضع الصحي أو تضبط المخالفات أو تنشئ ضمان الشيخوخة أو المعوّقين (…) إنني أدعو شعبنا الى انتخاب برلمان لبناني مقبل جديد لا يكون فيه رجال سياسية بل رجال دولة يعملون على إعادة بناء لبنان يستحقُّه اللبنانيون تقوم فيه دولة على أسس القانون والنظام والتنظيم واحترام حقوق الإنسان…”.
التعليق على هذه الرسالة (بعد شُكر صاحبها) هو في مضمون الرسالة نفسها، فلا حاجة الى مزيد. وكم على حق في ملاحظاته محمد عامري (وهو عضو المجلس النيابي الكندي، إذاً: ذو كلام مسؤول).
وبالفعل: لماذا، عند كل توتُّر أمني أو سياسي عندنا، يجب أن تتعطّل في الدولة مرافقها اللوجستية ودوائرها الإدارية ويتقاعس المسؤولون الإداريون والفنيون عن القيام بأبسط واجباتهم البديهية لتصريف شؤون المواطنين والعناية بطرقاتهم ومياههم وكهربائهم وأمنهم الاجتماعي والصحي والبيئي؟
الوضع المتوتّر هو السبب؟ هل عندنا فقط هو متوتر؟ وهل في دول العالم تتوقف شؤون الدولة بسبب “وضع متوتّر”؟
لا نذهبَنَّ بعيداً. فلنتّعظ من داخل بيتنا: جنوبنا الغالي الحبيب. الوضع المتوتر الدائم في جنوبنا المقدّس ترَك (ويترك) البنية التحتية والخدمات المواطنية بائسة تعسة بدائية فيما الوضع المتوتر (نفسُهُ) في شمال إسرائيل لم يمنع اهتمامها بالبنية التحتية والخدمات اللوجستية لمواطنيها، وليس بين جنوبنا الحدودي وشمال أرض العدو المغتصَبَة المحتلَّة سوى شريط شائك وبضعة أمتار.
والوقوف عند بوابة فاطمة أو سلوك الطريق الى نبع الوزاني (كما كان لي أن أعاينَهما قبل أيام) دليلان دامغان على الفارق بين دولة حاضنة غائبة عن حضانتها، ودولة عدوّة (بعدائيتها وشراستها وعدوانيتها وذئبويّتها علينا) حاضنة حاضرة بحضانتها مواطنيها عبر تأمينها لهم أبسط الخدمات لحمايتهم وتوفير الحد الأدنى لهم مما يفترض بأية دولة أن تقدِّم لمواطنيها.
طبعاً لا نريد التشبُّه بأعدائنا بل على العكس: أن نكون قدوةً لمن يدحرون أعداءهم كما كان أبطال مقاومتنا في الجنوب أمثولة للعرب والعالم في تحرير الأرض من دنس الاحتلال. أكيداً إذاً: لا نريد التشبُّه بعدوّنا بل أن نعرفه ونتّعظ. فالمعرفة مشروعة والاتّعاظ مشروع، لعلنا ننتقل من مشروع دولة حازمة الى دولة حازمة المشروع. وهذا يكون ببناء دولة، لا بتجميد كل حركة في الدولة بانتظار تقرير ميليس، ولا بانتظار استقرار الأوضاع الإقليمية والدولية، ولا بانتظار حل مشكلة الشرق الأوسط.
المطلوب في الدولة عندنا: رجال دولة. مَن هُم؟ الجواب في شعارٍ للسفير فؤاد الترك: “الفرق بين رجل السياسة ورجل الدولة أنّ رجل السياسة يتصرف على أن الوطن (والدولة) مُلْكٌ له، بينما رجل الدولة يتصرَّف على أنه هو مُلْكُ الوطن والدولة”.