هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

423: المعهد الوطني للإدارة: نواة المستقبل

السبت 3 أيلول 2005
-423-
اللقاء مع طلاب الفوج الأول (للدورة الأُولى) في المعهد الوطني للإدارة يبشّر أننا في حرم علمي لبناني يبدأ بخطواتٍ وثقى من أجل مستقبل واثق للبنان الذي نتوق إليه مؤسَّساً على النظام والرصانة والضمير المهني والوظيفة العامة في خدمة المواطن.
وتصدف أن يكون طلاب هذا الفوج الأول (دورتهم لستة أسابيع) من موظفين سينتقلون الى إدارة الجمارك، إذاً هم واجهة لبنان البرية والبحرية والجوية، يعني هم ضميرُ البلاد الضابطُ مخالفاتِ الشُذّاذ والضابطُ مواردَ الدولة والضابطُ أمن الوطن.
كان إصغاؤُهم رائعاً، ونقاشهم عالياً، واستيعابهم تلقُّفياً استيعابياً ناضجاً، ما يشير الى أنّ المعهد الوطني للإدارة (القائم على أسس تستلهم نظماً وقوانين أنجحت المعهد الوطني للإدارة في فرنسا) تأَسَّس على ثوابتَ (إن هي لاقت التجاوب المطلوب من الجهات والمؤسسات والمراجع المعنية في الدولة) تؤسس حتماً لجيل مقبل قريب من موظفين مرصود عليهم أن يكونوا طليعة الإصلاح الإداري المنشود وتالياً التنمية الإدارية المطلوبة وبعدهما الانتظام الإداري الراقي المنضبط المضبوط بالقانون الصارم.
معهدٌ من هذا النوع، بهذا الطراز الراقي وببرامجه الأكاديمية والعلمية (وضعها اختصاصيون كبار في شأن الوظيفة العامة والمواطَنَة الصحيحة السليمة)، هو المعوَّل عليه، دورة بعد دورة، تخريج موظفين يتسلَّمون وظائفهم بصرامة الضمير وتطبيقية القانون واعتبار الوظيفة العامة (فعلاً لا قولاً، وتطبيقاً لا تنظيراً) خدمةً عامة وواجباً وطنياً ونهضةً حقيقيةً للدولة ومرافقها العامة.
معهدٌ من هذا النوع، بهذا السهر الدؤوب من مجلس إدارته (ذي السبعة اختصاصيين أكاديميين كبار مشهود لهم)، هو المعوّل عليه أن ينقذنا من الانحطاط الوظيفي والفساد الإداري والرشوة السرطانية، وهو الذي ينقذنا من الدولة العشائرية (توظيف محاسيب السياسيين وأزلامهم) ومن الدولة الزبائنية (ولاء الموظفين لأسيادهم السياسيين وتالياً تمرير معاملات ولو مزوّرة يفرضها عليهم أسيادهم السياسيون) ومن الدولة المزرعة (موظفون دخلوا الوظيفة لا بجدارتهم ولا بشهاداتهم بل بموجب بطاقة توصية من أولياء أمرهم السياسيين) ومن الدولة “المعلَيْشِية” (موظفون يتغيَّبون عن وظائفهم ويتقاضون رواتبهم أو لا يلتزمون بالدوام الرسمي أو يتصرفون مع المواطنين بسلوك سيّئ فوقيّ متعالٍ غير أخلاقي).
معهد من هذا النوع، بهذه الضوابط العلمية الصارمة التي تحكم مباريات الدخول إليه، هو المعوّل عليه أن يهيِّئ للبنان المستقبل موظفين في خدمة الوطن والمواطنين، وموظفين لا يرتشون، وموظفين يرفضون تمرير معاملات غير قانونية ولو جاءتهم من رؤسائهم المباشرين مهما علت رتبة هؤلاء الرؤساء ومهما كان ضغط السياسيين المتدخّلين لتمرير مخالفات وتزويرات.
المعهد الوطني للإدارة، رافداً مجلس الخدمة المدنية بنخبة عناصرنا النقية المتخرجة على أعلى مستوى من سلوكية الأداء في الوظيفة العامة، هو الذي، دورة بعد دورة وفوجاً بعد فوج ومتخرجين بعد متخرجين، ينقذنا من فساد الإدارة، وهو الخميرة الأصيلة التي تؤسس للبنان جديد قائم على الانضباط والانتظام والخدمة العامة المسؤولة، الثالوث الذي لا يقوم بدونه إصلاح إداري، ولا تستوي بدونه تنمية إدارية، ولا تنهض بدونه دولة عصرية تخلع عنها أقنعة الزبائنية وتدخلات بيت بو سياسة ووساطاتهم.
المعهد الوطني للإدارة، تحية لمجلس إدارته رئيساً وأعضاء، ولهيئته التعليمية اختصاصيين خبراء، ولطلابه المتخرجين اليوم ومستقبلاً، فإنما عليه وعليهم نرصد أن نخرج من الدولة/المزرعة الإقطاعية العشائرية الى دولة ليس فيها “ابن ست وابن جارية”، دولة عصرية “مُمكْنَنَة” بشرياً قبل أن تَتَمَكْنَنَ بَبَّغاوياً على شاشات الكومبيوتر.