هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

412: مجلس لأربعين سنة لا لأربع سنوات

السبت 18 حزيران 2005
-412-
مساء غدٍ تنتهي انتخاباتُ الشمال ومعها الدورةُ الأخيرة من الانتخابات النيابية بكل زبد الرغوة التي رافقتْها من تبادل الاتهامات والتشاتمات والمسخرات التي بهدلَتْنا أمام العالم للمستوى الدنيء الذي رافق الكثير من تصاريحها الانفعالية المشحونة.
لا يهمّ. لكل انتخاباتٍ هذا النوعُ من الأجواء التي لها تبرير الفائزين وحجج الخاسرين. المهم ما سيبدأ أن يكون منذ صباح الاثنين المقبل، حين يكون التأم جمع الـ128 من هنا وهناك وهنالك في كل لبنان، تظلِّلهم قبة البرلمان الواحدة، داعية إياهم الى الاتحاد على ما وعدوا به الناس قبل يوم الانتخاب. وعندها لا يعود يهمّ مَن جاء مع مَن، ومَن وصل بفضل مَن، ومَن حمل مَن، وفي أية بوسطة أو محدلة أو أوتوكار. المهم، بدءاً من صباح هذا الاثنين، سيكون: من سيعمل ماذا في الأربع السنوات المقبلة.
بعيداً عن التصفيق والزعيق وتهييص فولكلوري رخيص تبرّع به في المهرجانات الانتخابية أزلام ومحاسيب وأتباع ومتعيّشون ومصلحجيون، سيجتمع نواب المجلس الجديد، العائدون منهم والجدد، على سن قوانين جديدة تُخطط للبنان جديد، بعيداً عن برامج وشعارات نعرف أنها فقاقيع صابون عابرة زائلة مهرجانية مرحلية أنيّة استهلاكية، إلاّ ما سيثبُت منها (؟!) أنه فعلاً برنامج وطني طليعي رائد يعرض المشكلة وحلولها، ويؤسس لمعالجات ميدانية عملية تطبيقية جدية.
نوابُنا في الْمجلس النيابي الْجديد، العائدون منهم والْجُدد، مطلوبٌ منهم فوراً أن ينسوا تناهشهم خلال الأربعة الأسابيع الْماضية فيخططوا للأربع السنوات المقبلة، ويضعوا ستراتيجيا برنامج وطنيٍّ يتفقون على جدولته مرحلةً مرحلة، ويُطْلعون عليه الشعب الذي أوصلهم الى ساحة النجمة وصدّق وُعودهم فمنَحَهم شرفَ أن يحملوا الوكالة عن شعب لبنان.
المطلوب منهم، بدءاً من صباح هذا الاثنين: لا تَشكيل كتل نيابية كيدية مرحلية بل تأسيس تحالف وطني ثابت دائم، ولا تسديد فواتير انتخابية كيدية طولها أربع سنوات بل رفقة وطنية تخطط لأربعين سنة مقبلة، فتشرّع قوانين جديدة وتُجدِّد أخرى جامدة أو قديمة أو بائدة، حتى تكون قوانيننا حديثةً عصريةً لا كما هي الآن: بعضُها من أيام الأتراك، وبعضها من أيام الانتداب.
المطلوب منهم، أن يشتغلوا بالتشريع المستقبلي لا بتزفيت الطرقات وتوظيف أزلامهم ومَحاسيبهم.
المطلوب منهم أن يتركوا وراءهم التحالف الانتخابي العائم ويضعوا أمامهم الحلف الوطني الدائم فيخطّطوا للغد حتى يستاهلوا فعلاً أن يكونوا نواب الشعب، وأن يُحققوا طموحات جيل كامل من لبنانيين يرفضون التهريج السياسي الكاريكاتوري الكلامي، ويطالبون بقوانينَ وتشريعاتٍ ورؤيةٍ ناضجة مسؤولةٍ لا لوطن المقيمين وحسب بل لوطن الذين هَجَروا وهاجروا وتَهَجَّروا وينتظرون أن يعود وطنهم إليهم ليعودوا كالسنونو الى وساداتهم في البيوت التي وُلدوا فيها ونشأوا فيها وهَشَّلَهُم منها ومن الوطن عددٌ من “بيت بو سياسة” ساسوا الوطن عشائرياً أنانياً معلَيشياً زبائنياً مصلحجياً مَزْرَعَاتياً كأن الوطن كلَّه على صورة أزلامهم ومَحاسيبهم والْمهرّجين الْمهيّصين في مهرجاناتهم الانتخابية.
نوابُنا في الْمجلس النيابي الْجديد، العائدون منهم والْجُدد، مطلوبٌ منهم فوراً، بدءاً من صباح هذا الاثنين، أن يبدأوا بالعمل أربع سنوات كي يؤسسوا لأربعين سنةً مقبلةً، وإلاّ فَمَحكومٌ عليهم سلفاً بالفشل واللعنة إن لم يعملوا لاستعادة أدمغتنا اللبنانية الْمُهاجرة الْمرصود عليها أن تعودَ الى الوطن فتُعيدَ معها نبْضَ الوطنِ الطالعَ من الغد الآتي لا من مومياءات الْماضي وأصنامه.