هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

407: موسم الشعارات واليافطات

الاثنين 16 أيار 2005
-407-
هل تكفي نُعوت القرَف والتخلُّف والتبعية العمياء والغرائزية الشنيعة وسائر الصفات الشبيهة لوصف هذه المظاهر التهريجية التي تجتاح الشوارع والباحات والساحات والزواريب والأشجار والشرفات والأوتوسترادات والمنعطفات والنواصي والتقاطعات فتُشوّهها باليافطات والشعارات والصوَر والخامات والكتابات الممتلئة مزايدات ومبالغات ومبايعات ومسايرات ونكايات وكيديات وكذب وتكاذُب وتبييض وجوه واستعارة كلمات تفخيمية وتسخير النجوم والكواكب والجبال لِمدح هذا المرشّح أو ذاك السياسي أو ذلك الزعيم؟
هل هكذا ندّعي أننا في طليعة الشرق وفي صدارة العرب وفي تجاوز العالم الثالث، بينما نشهد عندنا ما هو أسوأ من تخلُّف العالم الثالث والثلاثين؟
أكلّما دنَت الانتخابات يُحوّل السياسيون الناس أتباعاً مسعورين ينتصرون لزعماء يتمدّدون على رؤوس الشعب سنواتٍ أربعاً، ومعظمهم لا يستاهلون أن يكونوا حيثُ هم، لولا قوى وتحالفات وبوسطات ومَحادل؟
ولماذا المعركة الانتخابية عندنا، كما في البلدان المتخلّفة، تدار بالصوَر والشعارات على الحيطان، ومثلما في المجتمعات البدائية تتلاطم اليافطات التي معظمها يكتبُها خطّاط واحد “يبيع” خطّه لسماسرة المبايعات ومقاولي الانتخابات من هذه الجهة وتلك معاً، وبالريشة نفسها وعلى القماشة نفسها يقسمها قطعتين أو أكثر، ويوزعها على أزلام معسكرَين انتخابيين متنافسَين؟
ومتى يَخرج بعض شعبنا من التهريج في مواسم يافطات الزواريب والتسابق على كتابة الشعارات وإثارة الغرائز باستنباط العبارات المُسَجَّعة وتسويق التكاذب والتكاذُب المُضادّ؟
وهل من الضروري، لـ”تسويق” مرشّح أو لـ”كيد” آخَر، أن يلجأَ “بيت بو سياسة” إلى الشارع يثيرون فيه قاعدتهم الانتخابية وُفوداً وُفوداً وبوسطات وسيارات وجماعات ووحدات فيسير الأزلام والمحاسيب بالهوبرات والأهازيج وأعلامهم الفئوية وصور زعمائهم وشعارات ويافطات ويخرجون من نوافذ السيارات والبوسطات وعلى ظهر السيارات والبوسطات ويرفعون زعيق مكبرات الصوت بالأغاني والهوبرات والصيحات الغرائزية ويعرقلون السير ويزعجون سكان الأحياء، ومعظم هؤلاء المُهَوْبِرين أولاد وفتيان وفتيات يديرهم “بيت بو سياسة” بـ”الريموت كونترول”؟
مُخجلٌ هذا الذي يَجري، ويجرح كرامة كثيرين في شعبنا يرفضون هذه المظاهر التوتاليتارية المسعورة، فيأسف بعضهم على وجودهم هنا، ويرتاح بعضهم الآخر إلى أن أبناءهم يدرسون أو يعملون في الخارج فلا يخجلون بهذه الصورة عن وطنهم بعدما صورة 14 آذار ملأت قلوب المقيمين والمهاجرين بغبطة من نزلوا إلى قلب بيروت يصرخون للبنان لا لأيّ واحدٍ من سياسييه.
ألا فلينبُذْ شعبنا كل هذه المظاهر التخلّفية التوتاليتارية التهريجية المُقرفة، ومَن وراءَها من بعض “بيت بو سياسة” الحرباويين صيادي الظروف والمواسم وبيّاعي الأكاذيب ومسوّقي الوعود الطنانة الفارغة في مواسم الانتخابات.
ولينتفضْ شعبُنا على هذا الفولكلور السياسي البشِع، على هذا التهريج الاتّباعي الأغناميّ الاستزلاميّ الرخيص. ولْيفهمْ هؤلاء المرشّحون أن الشعب اللبناني، في معظمه، لن يكون حبّةً في مسبحة أحد من زعماء القبيلة وأمراء الحرب وأسياد العشيرة، وأنّ بين اللبنانيين واعين متنوّرين كثيرين يرفضون أن ينصاعوا بعد اليوم قطعاناً صاغرةً مسيَّرة من أحد، ولن يكونوا بين أيدي أحدٍ، بعد اليوم، فئران مُختبرات.