هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

398: لبنانيون أولاً… و”بعدين منشوف”

السبت 12 آذار 2005
-398-
حين يكون البيت مهدّداً بالاحتراق، لا يعود عاجلاً إنقاذَ البيت، و”بعدين منشوف” التنظيرات الأخرى، وتقاسُم الغرف، والاتفاق على لون الحيطان، والتداول في إدارة شؤون البيت.
ولبنان اليوم، “لبناننا” اليوم، مهدَّد بالاحتراق مرّتين: مرة من أهل البيت المستزلمين والمستسلمين للخارج، وأخرى من الخارج الذي يريد أن يجعل البيت وسيلة أو أداة أو عصا في يده يحارب بها عن مصالحه هو وقضاياه هو وحساباته، فيجعلنا، شعباً ونظاماً ووطناً، ضحيةً أو رهينة أو حجة أو محرقة أو أيّ ما يجعل لبناننا حبّةً في مسبحة الخارج.
شعبنا المنتفض اليوم، في ساحات لبنان، ضدّ كلّ خارج، أيّ خارج، يكتب اليوم فجراً جديداً لاستقلال جديد في زمن جديد يؤرّخ للبنانية لبنان غير المنعزلة وغير المتقوقعة وغير المتزمتة، إنّما اللبنانية التي لا ترضى بهوية سواها ولا معها ولا إلى جانبها ولا قلبها ولا بأي وجه آخر غير وجهها ولا بأية صفة أخرى غير صفتها ولا بأي نعت آخر.
اليوم اليوم وقتُ أن نَشْهر لبنانيتنا قبل أية انتماءات أخرى. بهذا يحترمنا العالم ويرانا شعباً متراصاً (لا مرصوصاً بسواه) وواحداً (لا وحيداً بين أترابه) وموحّداً (لا مستوحداً في انغلاق وانعزال).
اليوم اليوم وقت أن نجاهر، لا بعَلَمنا فقط صار يظلل جميع فئات شعبنا، ولا بنشيدنا الوطني فقط صار على شفاه جميع فئات شعبنا، بل نجاهر بانتمائنا اللبناني أولاً، لاحقين بعده أن تتوزّع شعبنا فسيفساءاتُ الانتماءات الحزبية والعقائدية والسياسية والإيديولوجية إلى هنا أو هناك أو هنالك من الأوطان والاتجاهات والقوميات والأُمَميّات.
اليوم اليوم: صرخة شعبنا لأجل إنقاذ لبنان من براثن متجاذبيه الأقربين والأبعدين. ومَن يطلقون هذه الصرخة من شبابنا وصبايانا ليسوا يخونون أحزابهم ولا انتماءاتهم حين يصرخون بلبنانية لبنان حرٍّ مستقلّ ذي قرار نابع من شعبه وأرضه ومستقبله الرائد في المنطقة.
اليوم اليوم فجر الانتماء الحقيقي إلى لبنان الشعب والأرض والكيان: انتماء إلى آخر زيتونة في السهل، إلى آخر صنوبرة في الجبل، إلى آخر حبة رمل على الشاطئ، إلى آخر طفل يحمل الأرزة على بطاقة هويته، إلى آخر غيمة تعبر فوق أرضنا الطيبة المقدّسة المباركة الطاهرة التي تحتضن الكيان اللبناني، سقفَنا جميعاً، وحمايتنا جميعاً، وكرامتنا جميعاً.
كفانا الوقوف على أبواب العالم مستنجدين ضارعين مادّين أيدينا لِمن يتولّى شؤوننا كأننا قاصرون. فلنتعلّم من تاريخ بلادنا كيف تكون الكرامة. صُور قاوَمَت، وصيدا قاوَمَت، وبيروت قاوَمَت، وكلّ دسكرة لبنانية في أية منطقة من لبنان وذات حقبة من تاريخ لبنان، قاومت المحتل والغاصب والعدو والمنتدب، فكان لبنان- وهكذا يجب أن يبقى- لا حبّة في مسبحة محيطه العربي، بل أمثولة لمحيطه العربي تبرهن للعالم أن لبنان رسالة حضارية تعددية في الوحدة الوطنية، وكان وسيبقى شعلة النهضة في محيطه، كالمنارة الضئيلة المساحة على الأرض، إنما البعيدة الإشعاع في المدى.
البيت مهدّد بالاحتراق. الوطن مهدّد بالاحتراق. كل نقاش مؤجّل. كل انتماءات أخرى مؤجّلة. لن ينقذنا إلاّ أن نقف شعباً واحداً موحّداً بهوية واحدة موحّدة، وانتماء واحد موحّد: لبنان اللبناني أولاً، و… “بعدين منشوف”.