هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

386: بين خليل رامز سركيس وجوزف صايغ

السبت 18 كانون الأول 2004
-386-
لم ينتصف نهار السبت الماضي حتى تلقّيتُ فاكساً من كبيرنا خليل رامز سركيس يعلّق على موضوع “أزرار 385” نهارئذٍ (الشاعر شوقي بزيع… ناثراً) ويؤكّد على “وعي القلم توأمَي الشعر والنثر معاً في حسم قول”.
هذا كبير في النثر يجد دفاعاً، من جهة الشعر، عن عظمة النثر الذي لا يقلُّ هيبةً وصعوبةً وجمالاً عن الشعر (هل سعيد عقل في “لبنان إن حكى” و”كتاب الورد” أقل إبداعاً جمالياً منه في “قدموس” و”رندلى” و”دلزى”؟) .
ولم أكد أمرّ بالغبطة من رأي هذا الكبير في أدبنا اللبناني، حتى تلقّيتُ من كبير آخر في أدبنا اللبناني الشاعر جوزف صايغ مجموعة أعماله (4 1 كتاباً في 4 أجزاء عن “دار النهار”) وفيها نصائع قصائده تتكوكب بينها نصائعه النثرية التي لا تقلُّ نحتاً “صائغياً” عن أخواتها القصائد (هل من السهل بلوغ قمة “آن كولين” في النثر الجمالي العالي؟).
ولأن جوزف صايغ ناثر متمكِّن، بقدْرما هو شاعر متمكِّن، لا يجنح الى إلصاقِ أيٍّ من صفات قاموس الشعر (قصيدة نثر، نثر شعري، شعر منثور، قصيدة “حديثة”،…) بكتاباته النثرية الصقيلة، هي الأُخرى، كهيافته الشعرية الصقيلة.
هكذا: لأن خليل رامز سركيس قمة في النثر العالي، لا يضيره أنه لم يقارب الشعر، ولأن جوزف صايغ قمة في الشعر العالي، لا يجد حاجةً (كي يرفع من شأن نثره) أن يدنيه من قاموس التسميات الشعرية.
هذه أمامي مجموعات جوزف صايغ كاملة البهاء (بطبعة “دار النهار” البهية أناقة شكلية على مستوى أناقة المضمون) أتنقّل بينها بغبطة الوقوف المنسحر أمام الجمال المنحوت صرحاً فنياً كبيراً واضح المعالم بين شعره ونثره حتى في الكتاب الواحد أحياناً (من هنا كنت أتمنى لو لم يكن “المجموعة الشعرية” اسمها بل “المجموعة الكاملة” لأن فيها كتباً يجيءُ نثرها “في مقام الشعر” – كما سماها جوزف صايغ نفسه – ولكنها نثر وليست شعراً).
وهكذا، في التنقُّل بين “كتاب آن كولين” النثري الرائع (كم اختصره أنسي الحاج بقوله “ما أضيق هذا الاسم. دعني أسميه كتابنا، وقبل أن يقرأه، فليسكت كل عاشق عن كلام وكل شاعر حب عن كتابة”) والكتاب النثري الآخر “أرز” وفيه مقطوعات مجلوّة الجمال الناصع (تتخللها قصائد)، وفي التنَقُّل بين أخواتهما المجموعات الشعرية (“قصور في الطفولة”، قيلولة الصل”، “الشاعر”، “ثلاثيات”، “العاشق”، “القصيدة باريس”، “زحلة القصيدة”، “الديوان الغربي”، “المصابيح ذات مساء”، “الأرض الثانية”، “الرقم واللازورد”، “رصائع”) نجدنا أمام شاعر كلاسيكي كبير يمتلك أدواته الشعرية بامتياز الفارس الذي يعرف كيف يروّض أحصنة البحر والوزن والقافية والرويّ في تجديد عصري “حديث” من ضمن الأُصول، كما نجدنا أمام ناثر كلاسيكي كبير يمتلك أدواته النثرية بامتياز الفارس الذي يعرف كيف يروّض أحصنة التراكيب البيانية فيربأُ بها عن السرد التقريري ليرتفع بها الى أرفع النثر الجمالي العالي.
الكلمة معطاة لكل قلم. وتمايُزُها بِمَن يُؤطّرها في لعبة التركيب الجمالية غير المعطاة إلاّ للمبدعين.
الكلمة، الكلمة! إنها الـ”ألفا” والـ”أوميغا”. فلننحتْها بإزميل لائق، شعراً نظمناها أم نثراً نسجناها. إنّ الصورة الإبداعية، حيثما تكون، تضيع تائهةً إن لم تكن في إطار هوية ناصعة ذات جذور مؤصَّلة واضحة.
فلنحترم هذه الهوية.