هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

366: انطلاقاً من فيليب سالم

السبت 24 تَموز 2004
– 6 6 3 –
موعدنا مع البروفسور فيليب سالم (السابعة بعد غدٍ الاثنين 26 الجاري في “نادي الصحافة” – اللعازارية) لن يكون لقاءً مع مُجرّد لبناني كبير في المهجر (الولايات المتحدة)، ولا مع مُجرّد طبيب لبناني حفَرَ في تاريخ الطب العالمي الحديث بصماتٍ ساطعةً في حقل الأبحاث السرطانية، بل مع مواطن لبناني غير عادي، يحمل في قلبه جذورَ لبنانيته البطرَّامية الكورانية، وفي عقله نظامية النمط الأميركي المبني على الوضوح والصراحة، وعلى الديمقراطية التطبيقية كما يعرفها الشعب الأميركي، لا التنظيرية الفاغرة المضمون كما يعرفها الشعب اللبناني مفصَّلةً على قياس سياسيين فاسدين وشخصانيين.
والذي شاهد البروفسور فيليب سالم على شاشة “الجزيرة” هذا الأسبوع، ولمس وضوح طروحاته اللبنانية القاسية الصراحة، بعيداً عن شخصانية محاباة الأَشخاص وقريباً الى موضوعية المصير اللبناني، أدرك أن فيليب سالم مفكر سياسي لبناني كبير آتٍ إلى الساحة السياسية من الشفافية في التعامل، وواعٍ أنه يبشّر بالطهارة والعفاف في مغارةٍ تعُجّ بالعهر والسوقية.
ويعصُم فيليب سالم أنه ذو سيرة تفرض سطوتها على مشاهديه وحضوره وقرائه، كما ستتجلى بين أيدي قراء كتاب “”فيليب سالم-الإنسان، الوطن، العِلْم” الذي وضعه، بعد جهد طويل، زميلنا بطرس عنداري (مؤسس جريدة “النهار” الأسترالية) وحوله سنلتقي نهار الاثنين وننتدي في “نادي الصحافة”.
أهمية هذا الكتاب المشغول أنه يواكب مسيرة فيليب سالم بتطويعه السرطان في هيوستن، وأنه مكتوب باحترافية صحافيٍّ صَناع تليق بعالِمنا الكبير الذي استدعاه البيت الأبيض لردحٍ طويلٍ مستشاراً خاصاً للشؤون الصحية والبيئية في أميركا. فهناك، في أميركا، تستعين الدولة بالْخبراء والعلماء لتطوير أدائها، وهنا عندنا تستعين الدولة بأزلام ومَحاسيب وأكلة جبنة يكونون اليوم مستشارين لها، وغداً يصبحون لصوصاً قابعين في زوايا السجون.
كتاب بطرس عنداري (في منشورات “دار النضال”) مرجع ضروري عن لبناني كبير في العلْم (من كوكبة حسن كامل الصبّاح ومايكل دبغي وبيتر مدوّر وسائر الثريا اللبنانية المباركة في العالم). لكنه أيضاً مرجع لنا كبير في السياسة، لا لأن فيليب سالم يعيش في وحول سياستنا المحلية، بل لأنه بعيد عن وحول سياستنا المحلية، وعن سياسيينا الفاسدين المفسِدين، وتالياً هو أحرى بأن يدينهم ويحاسبهم ويراهم من منظار النقاء والصدق والاستقامة، بعيداً عن المصلحجية والمعلَيْشِيَّة والمحسوبية والزبائنية والعشائرية والاستزلامية والاستسلامية والقبائلية والمحادلية مثلما يسوس الأمور عندنا سياسيون إقطاعيو التفكير والوراثة والهوى.
هوى فيليب سالم متَّجه الى رفعة لبنان ومستقبل لبنان. ولأنه كذلك، لا يحابي. يقرأ زيف السياسة عندنا فيتعاطى مع سياسيينا كما يتعامل مع مبضعه في غرفة العمليات حيث لا مجال للمسايرة والمصلحة الشخصية والاستهتار وبيع الضمير، وبهذا المبضع نفسه يتعامل فيليب سالم (ونتمنى أن يتعامل هكذا جميع المخلصين الأوفياء) مع سياسيينا اللبنانيين الفاسدين المفسِدين.
هذا هو فضل بطرس عنداري في الإضاءة (بين دفّتين) على فيليب سالم عَلَماً عالميَّ العقل، وعِلْماً صارخاً بالحقيقة، ومَعْلَماً لبنانيَّ الجذور، يدعو في كل نبضة من قلبه الى المحافظة على قدسية هذه الجذور بعيداً عن الفساد المستشري في لبنان اليوم.
وانطلاقاً من فيليب سالم، وعلى صورته، نحتاج في لبنان الى مَن يحبون لبنان لا بالتنظير والأغاني والقصائد والخُطَب السياسية الفارغة، بل بمبضع لا يرحم ولو وصلَ الى آخر الدنيا صراخُ الاستئصال.