هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

365: غداء سعيد مع المسنين السعداء

السبت 17 تَموز 2004
– 365-
منذ سنوات، أطلق المحامي نهاد نوفل (رئيس بلدية زوق مكايل/رئيس اتّحاد بلديات كسروان الفتوح) مشروعاً حضارياً وضع له تصاميمَ وهيكلية، للعناية بـ”العمر الثالث”، في مكان مشرف هانئ من زوق مكايل. ويومها بدا المشروع غريباً لمن لم يستوعب الفكرة وحضاريّتها ورياديتها وطليعيّتها، كعادة أفكار نهاد نوفل الطليعية.
في هذا السياق، وتكريماً للمسنّين، دعتني السيدة منى الضاهر نعمة الأسبوع الماضي الى تناول الغداء مع مسنين من أسرة “مطاعم المحبة”، تلك البادرة الإنسانية العظيمة التي أنشأَها الرئيس شارل حلو ورعاها بحنوّه المعهود.
وكم كان سائغاً وهانئاً وسعيداً ذاك الغداء معهم، تطفح وجوههم بالبشْر والهناءة والسعادة. كانوا من أربعة أنحاء (تأسست بين 1985 و1990): الفرنسيسكان (بدارو)، مار فوقا (غادير)، جبيل وعجلتون، تعاوناً مع “أصدقاء القربان” في عجلتون. وهو تقليد دوري تقوم به أسرة “مطاعم المحبة” (22 مطعماً في كل لبنان، مجموع المسنين فيها نحو 250 معظمهم في الثمانينات والتسعينات)، فتجتمع النسوة ويهيّئن الطعام، ويجمعْن المسنين الى غداء تعارفي وتسلوي يهنأون فيه الى صحون شهية ورفقة ممتعة لهم، في جو من الإلفة يشكِّلها مَن هم في سن متقاربة. ويحدث أن تتولى مديرات الفروع تحضير الطعام أو تكاليفه في مطعم يبقى عليه أن يقدم المكان وخدمته.
وفهمتُ يومها أن جمعية “أصدقاء القربان” (أسَّسَتْها السيدة منى نعمة وأنشأت لها فروعاً في لبنان وفرنسا وكندا وأُستراليا والعراق وسوريا) تقوم على “روح المشاركة القربانية” حتى لا يكون على المسنين أن “يجلسوا مع وحدتهم في عزلة مرعبة ينتظرون الموت في هلع وإحباط”. من هنا يسعى أعضاء “أصدقاء القربان” الى فتح بيوتهم لهؤلاء المسنّين في مناسباتٍ يلتقون خلالها بعضهم ببعض فتنفتح روحهم على الفرح ونسيان الوحدة والانفراد. وقبل إنشاء هذه الجمعية، وقعت أحداث مؤلمة تدل على كرامة المسنين الذين يظنهم الكثيرون فقدوها، منها أن أحد المسنين بلغ 107 سنوات ففقد السيطرة على التبويل. حمله ذووه الى المأوى، فبقي ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب ولا ينام، من شدة القهر على حالته والانفراد، وفي اليوم الرابع قصدتْه مسؤولة المأوى فوجدتْه ميتاً على باب غرفته الانفرادية. ذلك أن المأوى مُرعبُ الوقْع على من لا يزالون يعتقدون أنهم جديرون بالبقاء هانئين في بيوتهم، مع بعض الخدمة والعناية البسيطتين. وعن السيدة منى نعمة أن الجمعية تنظّم رحلات داخلية لهؤلاء المسنين (تعاوناً مع “كاريتاس”) لإدخال البهجة الى هؤلاء الطيبي القلب والنية، ممّن هم البركة في خميرة حياتنا وسلوكنا ومعارج الحياة.
لـلسيدة منى الضاهر نعمة (وهي تقيم الغداء السنوي العام في يوم ذكرى استشهاد ولدها الحبيب شهيد نعمة الذي انقصف قبل سنواتٍ في ربيعه الثامن عشر) تحية الوفاء والولاء والتقدير على هذا العمل الإنساني الذي يزرع على شفاه المسنّين بسمةَ فرح وغبطة، وتعويضاً عن وحشة الوحدة والانفراد في مأوى أسود كقلوب المبغضين.
لذوي العمر الثالث، في العالم، بيوت راحة وعناية تقوم بها الدولة لرعاية المسنين. وعندنا لا يزال هذا الشأن يقوم على عهدة أفراد يتبرعون بوقتهم وأموالهم وعقاراتهم من أجل العناية بهؤلاء الذين كانوا، يوم كانوا، شعلة الحياة، حتى إذا قاربت الشمس من المغيب، يلفظهم حتى أهل بيتهم أحياناً، فيموتون أحياء قبل أن يكسرهم الموت.
شكراً لمنى الضاهر نعمة وزميلاتها في “أصدقاء القربان” و”مطاعم المحبة”.