هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

350: حتّى البلديات حرمونا منها

السبت 27 آذار 2004
– 0 5 3 –
حين وثيقةُ الوفاق الوطني ( المعروفة “فولكلورياً بـ”اتفاق الطائف”) تناولَت قانون البلديات الموضوع عام 1977، عدَّلَت فيه لصالح الإنماء المتوازن، وخلْق لامركزيةٍ إداريةٍ تُسهّل على المواطن شؤونه، وتجعل له سلطة محلية راعية حادبة تعالج أموره عملياً وميدانياً، فتبقى للسلطة المركزية الأمورُ المتعلقة بالمجموعة على مستوى الوطن.
وكان يمكن هذا الأمر أن يكون مفيداً جداً لو لم يبلُغ التوغل في اغتصاب وثيقة “اتفاق الطائف” حَد المساس بتعديلاتها، وتلزيم هذا المساس مؤخراً الى لجنة الإدارة والعدل النيابية لتعديل قانون البلديات وتحديثه وتطويره.
وما كانت النتيجة؟ كانت أنْ تفتَّقت تعديلات اللجنة البرلمانية عن أمور عدة بينها: منْعُ انتخاب الرئيس ونائب الرئيس من الشعب مباشرةً، وقْفُ المساعدات التي كانت تقدِّمها البلدية للجمعيات الثقافية والفنية والرياضية في البلدة، حجْبُ المساعدات المدرسية عن التلامذة المتفوقين وعن الأوقاف والنوادي على أنواعها، وحصْرُ المساعدات البلدية في المعوّقين فقط.
حتى هذه المساعدة البلدية المحلية، حَرَمُوا منها المثقفين. كأنما لا يكفي المثقفين أنّ الدولة غائبة عنهم، ووزارة الثقافة ذات ميزانية ضحلة تكاد لا تكفي دفْعَ معاشات موظفيها والمتعاملين معها فلا يبقى لها ما تساعد به المثقفين، حتى جاءت تعديلات لجنة الإدارة والعدل، على مشروع قانون البلديات الجديد، تلغي كل مساعدة ثقافية في البلدة.
وكأنما لا يكفي البلديةَ ظلْمُ الدولة التي تستوفي الرسوم البلدية في فواتير الهاتف والكهرباء ولا تسدِّدُها للبلدية ولا تودعها الصندوق البلدي المستقل، حتى جاءت الدولة تخطِّطُ لتزْجُرَ البلدية فتمنَعَها من صرف ليرة لبنانية واحدة على أية مساعدة للهيئات والجمعيات والنوادي الثقافية والاجتماعية والفنية والرياضية في كل بلدةٍ من لبنان.
مُقْرفٌ كلُّ هذا الذي يجري، ومثير للغضب الشديد الذي قرأْنا أصداءَه مؤخراً في مداخلة لـ”ديوجين العمل البلدي” نهاد نوفل (رئيس بلدية زوق مكايل) لدى مشاركته قبل أيام في ندوة عن البلديات إذ قال: “إنه مشروعُ قانونٍ جديدٌ لا جديد فيه سوى خطوةٍ الى الوراء باسم تحديثٍ ليس فيه من التحديث سوى نص حديثٍ يزيد في كربَجة البلديات وإعاقتها ومصادرة حريتها والتحرك”.
كان ينقص المثقفين (المنتجين الجديين) في لبنان مشروع القانون هذا، يصدر عن لجنة الإدارة والعدل النيابية ويحرمهم من مساعدات بلدية كانت تفيهم بعض دعم غابت عنه الدولة ووزارة الثقافة، فيتركهم مشلولي الحركة في حين يعرف الجميع أن لبنان الحقيقي الخالد الذي يتخطَّى حدود لبنان الى كل بلدٍ تحت كل سماء، ليس لبنان اللجان النيابة بل لبنان الثقافة والفن، والإبداع الطالع من دسكرة أو حي أو مدينة أو قرية أو بلدة تقوم بلديتها بمساعدة ولو ضئيلة لتشجيع المبدع كي يبدع أكثر فيشعر أن بلديته التي يعطيها ولاءه تعطيه بعض الوفاء.
أما أن تنحصر مساعدة البلديات بالمعوّقين فقط – على ما نخدمهم جميعاً كمواطنين كاملي الحقوق – فذلك يعني أن تصبحَ البلديةُ معوَّقة عن خدمة الثقافة والمثقفين، وقاصرة عملها على جباية الرسوم وترميم الأرصفة وجمع النُّفايات وشاهدة زور على حراسة بُنْية تحتية لم تعرف الدولة منذ نصف قرن حتى اليوم كيف تنقلها الى بُنْية العصْر.