هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

346: هل نحن جديرون بآثارنا؟

السبت 28 شباط 2004
– 6 4 3 –
المحاضرة السمعية البصرية التي ألقتها الباحثة اللبنانية المعمقة الدكتورة إلهام كلاب البساط في الجامعة اللبنانية الأميركية LAU (بدعوةٍ من “مركز التراث اللبناني” فيها)، في موضوع “إرنست رينان في عمشيت”، أضاءت على نقطةٍ مشعَّةٍ من تاريْخنا، ولكنها كذلك موجعة في اكتشافنا أن رينان جمع مكتشفاته في أرضنا وحمَلَها الى اللوفر.
والموجع في الأمر: أسئلة تضع رينان في موقع جدلي بين “ناهب” آثارنا وبين مضيءٍ عليها وحافظها.
فهو في كتابه الرائع الضخم “البعثة الى فينيقيا” ذكر خطوة خطوة كل ما وجده في أرضنا، واصفاً إياه في دقةٍ وتفصيلٍ علميين، ما يجعلنا نعي كم في أرضنا من كنوز، وكم أرضنا حقاً هي مهد حقبات غنية من الحضارة. غير أنه، في هذا الكتاب نفسه، ومن شدة إخلاصه العلمي في وصف كل ما عاينه وما عاناه، ذكَرَ أنه جاء وقت أصبح كل مكان يعاين فيه أثراً ويدقق فيه، يتعرض في اليوم التالي للتكسير والتلف من الأهالي والنبش تحته طمعاً بإيجادهم جراراً من الذهب، لظنّهم أن رينان يبحث في أرضنا عن الذهب المخبأ في بطن الأرض.
أما مكتشفات أرضنا الغنية، والتي حملها له الجنود الفرنسيون (في عداد الجيش الفرنسي الموجود عندنا بسبب أحداث 1860) ونقلوها الى اللوفر، فلا تزال حتى اليوم محفوظة في اللوفر، وتحمل مرجعية لبنان (وللتذكير: لم يكن في لبنان فترَتَئذٍ أيُّ قانون يحمي الآثار أو يحذّر من حملها أو نقلها أو تسفيرها).
“ناهب آثارنا”، رينان؟ حقاً هو “نهب” آثارنا، أم “حافظ عليها وحفظها لنا” لدى أبرز متحف في العالم؟
وما كان مصير تلك الآثار النادرة لو لم يحملها رينان الى اللوفر؟ أما كانت ستتعرّض للنهب أو التكسير أو الطمس أو الطمر أو التلف بفعل الجهل أو الإهمال أو التغافل أو التآمر (كخطر إتلاف 17 موقعاً أثرياً بين صور والناقورة ذكرها رينان في كتابه، هي اليوم معرضة لخطر الطمس أو الحفر بمرور “الأوتوستراد العربي”)؟
هل تجاربنا (الحالية اليوم) في لبنان، مع جميع ما نتحصَّن به من قوانين حفظ تراث، تبشر بحفظنا التراث؟
وماذا عن التهديد الذي استدركه نوابنا الأشاوس في الأيام الأخيرة بل في الساعات الأخيرة من الشهر الماضي قبل انتهاء مدة القرض الممنوح لنا كي نحافظ على أماكننا الأثرية ومواقعنا التاريخية والتراثية؟
وماذا عن المخالفات البنائية الحديثة التي كانت مدعومة “سياسياً” وجعلت منظمة الأونسكو تهدد بحذف وادي قنوبين من لائحة التراث العالمي لولا استدراك ذلك في الساعات الأخيرة بـ”معالجة سياسية”؟
وماذا عن مديريةٍ عامةٍ للآثار عندنا لا “تسخو” عليها الدولة بأكثر من مهندس أو بضعة مهندسين قلائل مختصين بالآثار، والحجة: “ضيق ذات اليد” و”التقشُّف”، فيما خزينة الدولة تنوء تحت فائض من آلاف الموظفين الذين لا تزال تدفع معاشاتهم وتعجز عن إقالتهم لأنهم “مدعومون سياسياً”؟
ناهب آثارنا”، رينان؟ بل هو “واهب آثارنا” لنا في اللوفر، طالما عندنا طقم سياسي بهذه المواصفات.