هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

337: الأوركسترا الوطنية اللبنانية: فردوسنا المفقود

السبت 27 كانون الأول 2003
– 7 3 3 –
على حجم الفرح الذي اعترانا مساء الْجمعة الْماضي، اعترانا الغضب بالْحجم نفسه. الفرح لرؤيتنا الناس يتدافعون (أكرّر: يتدافعون) ليأخذوا أماكنهم، لا لِمتابعة مباراة كرة قدم ولا كرة سلة ولا سباق سيارات، ولا لِحضور حفلة غناء وطرب لإحدى دجاجات الْمطاعم أو صيصان القهاوي من مطربي الْموجة الانْخراعية الرائِجة، بل كانوا يتدافعون الى حضور أمسية موسيقى كلاسيكية راقية عالية (كأيّ جُمهور في فيينا أو باريس) تقدّمها الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية في برنامج اختاره قائدها وليد غلمية مُخصصاً للميلاد. أما الغضب فأن يتدافع الناس لأن مقاعد كنيسة القديس يوسف للآباء اليسوعيين لَم تَعُد قادرة على استيعاب الْجمهور الْمتزايد أمسية بعد أمسية، فَتَسَلَّقَ الأدراجَ الى طوابق الكنيسة العليا لِمتابعة الأمسية ولو… وقوفاً.
وإذا كنا نَحفظ الْجميل لبادرة الآباء اليسوعيين بتقديْم الكنيسة (شارع مونو) للأوركسترا السمفونية، وتقديْم مسرح بيار أبو خاطر (حرم كلية العلوم الإنسانية – طريق الشام) للأوركسترا الشرق عربية وموسيقى الْحجرة، فأين الدولة، هذه الدولة بالذات، لا تبادر الى إيْجاد بيت لِهذه الأوركسترا التي بات “نضجُها الأدائي رائعاً وبِمستوى عالَمي لا يقل عن مستوى أيّ أوركسترا عريقة التاريْخ”، كما قال آلان باريس منذ أسابيع بعدما قادها في أمسية خاصة؟ وهل قَدَرُنا أن يكون بيتُ الأوركسترا اللبنانية طويـلاً فردوسنا اللبناني الْمفقود؟
صحيح أن الأوركسترا تَحظى (نادراً جداً) بصالة قصر الأونسكو (حين تتاح لَها الفرصة بين كثير مواعيد حفلاتٍ لا قيمة لَها ولا فائدة) لكن هذه الصالة (بعلوّ سقفها الْمنخور، والسجاجيد على أرضها وفي مَمراتِها، ومواصفات مسرحها غير الْمجهَّز)، ليست صالِحة، من حيث الصوت وارتداداته التقنية، لتكون بيتاً للأوركسترا الوطنية، سِمفونيّها والشرق عربي، لأن صالة الأوركسترا ذاتُ شروط تقنية للصوت خاصة ودقيقة.
وانطلاقاً من مقولة أنَّ الْمنشآت الثقافية تدفع عليها الدولة مرة واحدة ثُمّ تروح تقطف إنتاجَها ومردودها تباعاً، ومن مقولة أنَّ الدولة عاجزةٌ حالياً (؟!) عن بناء دار أوبرا أو دار أوركسترا سِمفونية، لِماذا لا تبادر الدولة، هذه الدولة، الى تَجهيز صالة الأونسكو (طالَما أنّها مقبلة قريباً على ترميمها بِهبة يابانية)، ويصبح الدخول إليها مدفوعاً (ببطاقة مدروسة) فتحصد الدولة تكاليفها تباعاً (على الْمدى الطويل، كما هو منطق مدخول الدولة)، فترفع عنها الدفع الباهظ لِمصاريف الصالة وطاقمها وصيانتها، وتدفع عنها حجوزات القاعة من أشخاص وفرقاء وهيئات ونوادٍ ومؤسسات يستعملونَها لاحتفالات صغيرة وضئيلة وضحلة، غالباً ما يكون ركابُها على الْمسرح أكثر عدداً من الْحضور في الصالة.
بادرة واحدة، يا دولة، للأوركسترا الوطنية اللبنانية (السمفونية والشرق عربية)، ولتأْخذي مرجعاً حضارياً تدفعين عليه مرةً واحدة، ويردّ لك الوزنة الواحدة سبعين مرةً سبع وزنات.