هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

326: الأوركسترا اللبنانية مدرسة تثقيف المواطن

السبت 11 تشرين الأول 2003
-326-
لم يعد جديداً قولنا إن السياسة تفرق أبناء الوطن الواحد، فيما الفن يجمع بينهم. سوى أننا نقولها اليوم لتشديدنا على ظاهرة رائدة في ثقافتنا اللبنانية المعاصرة: الأوركسترا اللبنانية التي تدخل هذا الموسم عامها الرابع، وهي بنت الكونسرفتوار اللبناني الذي نقله رئيسه وليد غلمية من حفنة طلاب وأساتذة إلى أمبراطورية أكاديمية ذات مئات الأساتذة وآلاف الطلاب. والأوركسترا التي أنشأها غلمية (بأجنحتها الثلاثة: السمفونية، الشرق عربية، والحجرة) لم تعد مجرد فرقة موسيقية يأتيها روّادها للتمتع، بل يحجون إليها للتعلم والتثقف، حتى باتت فعلاً مصدراً لشعبنا، وباتت رسالة وليد غلمية ذات دور تأسيسي على أكثر من مستوى. ومن الأدلة الدامغة:
1- الحشود المتزايدة (أمسية بعد أمسية وموسماً بعد موسم) لحضور أمسيات الأوركسترا، حتى بات عدد الواقفين يناهز الجالسين.
2- تناقص ظاهرة التصفيق بين الحركة والحركة في المقطوعات الكلاسيكية، بعدما كان فاضحاً ومزعجاً لأن بعض جمهورنا معتاد على حفلات الغناء التطبيلية.
3- نمو الذائقة الفنية لدى جمهورنا بمعنى وعيه الفرق الواضح (خصوصاً في الأوركسترا الشرق عربية) بين الجملة التأليفية (التي بات يألفها ويتذوقها) والجملة التلحينية (التي اعتادها وأدمنها حتى الرتابة).
4- تحفيز أساتذة الكونسرفتوار على التأليف الموسيقي بعدما باتت الأوركسترا الشرق عربية مفتوحة لأعمالهم التي ما كانت ظهرت (أو ربما ما كانوا تحمسوا لتأليفها) لولا فرصة تنفيذها عبر الأوركسترا.
5- ولادة زمن جديد في التأهيل الموسيقي اللبناني (للمحترفين المؤلفين كما للجمهور المتلقي على السواء) بمعنى أن مؤرخ هذه الحقبة من تاريخنا الثقافي لا يمكنه إلا التمييز بين زمن ما قبل الأوركسترا وزمن ما بعدها.
6- ازدياد عدد الحضور من الشباب والصبايا (وبينهم تلامذة تكميليون أو ثانويون) وهذه ظاهرة رائعة تسهم في تنشئة مواطنية لبنانية مبنية على الفن العالي بعيداً عن قرف السياسات والأيديولوجيات الفئوية والحزبيات الضيقة.
7- إقبال عدد متزايد من غير المدعيون ببطاقات، ما يعني أنهم يتابعون تواريخ الأمسيات ويبادرون.
8- الوعي المتنامي لدى شعبنا بأن الموسيقى تتطور عبر الأوركسترا (لا الغناء ولا العزف المنفرد)، بمعنى أن الغناء نفسه (الغناء العالي طبعاً، وهو أرقى من المتداول) يصبح منبعاً موسيقياً متفوقاً، لا كما هو اليوم تلك الآلة الإلقائية للشعر واللحن. فالأوركسترا هي التي تطور الغناء والعزف وتاريخ الفن ومعه النقد الموسيقي.
وعلى ذكر النقد، أليس في لبنان غير “النهار” ترافق أمسيات الأوركسترات (الكلاسيكية والشرق عربية والحجرة)؟ وما دور الصفحات الثقافية في الصحف الأخرى إن لم يكن توسيع مروحة المخزون الثقافي لدى شعبنا عبر متابعة أعمال أوركسترا لبنانية نفتخر بها وبما تحققه من تثقيف لشعبنا على مواطنية حضارية؟