هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

282: أربعة وخمسون

الاثنين 9 كانون الأول 2002
– 2 8 2 –
في التاسع من كانون الأول (اليوم) كلَّ عام، أستجمع أفكاري وأخلد إلى ذاتِي في “خلوة” نفسية وذهنية وفكرية، أُراجع خلالَها ما مـرّ من عمري، كي أَستشرف ما وكيف ومتى عليَّ أن أتصرّف في العمر الباقي.
في ذكرى مولدي (اليوم)، وأنا أطوي أربعاً وخَمسين صفحة من سنواتِي، أنكفئُ إلى ذاتي الْجوّانية، فأقف (ككل عام) أمام قلمي وأُحاسبنِي، ولا أجدنِي في موقـف كهذا إلاَّ أمام القلم: مبَرِّر وجودي وجسر عبوري إلى عمرٍ يكمل بعدي (!؟) يوم ينقصف عمري.
أربعة وخَمسون عاماً، ما الْحصاد على البيدر؟ وهل كنتُ جديراً بِما حبانيه الله في تلك الأربعة والْخمسين؟ وما الذي تَمَكَّنْتُ من تَحقيقه منذ مقالي الْماضي “خَمسون” (زاويتِي “كومباكت” في “نَهار الشباب” – 8 كانون الأول 1998) عشية بلوغي الْخمسين، حتى اليوم وأنا أبلغ الرابعة والْخمسين؟ وهل لي الْحقُّ أن أقسو عليَّ (كما أفعل عادةً حين أُحاسبنِي)؟ أم أتساهل مع قهري فأجدُنِي حققتُ ما لَم يستطع تَحقيقه كثيرون بين أترابِي؟
لن أقول كبعض الانْهزاميين الكسالى :”لَم يـبقَ من العمر أكثر مِمّا مضى”، بل أتطلَّعُ حولِي إلى أصدقاء رائعين أكبُر كلما أفِيءُ إليهم لأنّهم يتخطونَنِي عمراً وقدْراً: نقولا زيادة (95 عاماًَ)، الأب يوحنا قميْر (92 عاماً)، سلام الراسي (91 عاماً)، سعيد عقل (90 عاماً)، سلمى الْحفار الكزبري (80 عاماً)، منصور الرحباني (77 عاماً) وجَميعهم (أَطِلْ يا ربّ أعمارهم بَرَكَةً لنا وذخراً) ما زالوا في عز عطائِهم وإنتاجهم، فما هي الأربعة والْخمسون في أعوامي، إزاء ما أنتجوا وما زالوا ينـتجون؟
كلّما صدر كتاب لأحد أترابي وأبناء جيلي الأدبِي أفرح له، وأهرع إليه مهنِّئاً حائزاً كتابه، وأُحاسبُنِي: هل أنا أنتجتُ كفايةً؟ وهل كتبِي (السبعة والستون بين شعر ونثر وترجَمات) تُمثِّلنِي حقاً وتُكمل بِي حقاً، أم كان عليَّ أن أُنتِجَ أكثر وأُصدِرَ أكثر؟ وهل يُرضينِي إذا رحتُ (كما يفعل كثيرون منهم) أَجْمَع بين دفتينِ مقالاتِيَ الْمنشورةَ سابقاً وهي، في “النهار” وحدها مئاتٌ (بين “أزرار” و”كومباكت” و”رسائل الْمنأى” و”مفكرة للسلم في زمن الْحرب”و”مفكرة الغربة في ذاكرة الوطن” وسواها من عشرات الْمقالات النقدية والْحوارية والتغطوية) تشكل ما لا يقلّ عن عشرة مُجلّدات من الْحجم الكبير؟ فهل صدورها في كتب منفصلة يطمئن خوفِي أن أكون مُقصِّراً مع ذاتِي، رغم كتب ستَصدر لي قريـباً وطبعاتٍ جديدةٍ تصدر لكتبِي الشعرية السابقة؟ وعشراتُ الأمسيات الشعرية والْمحاضرات التِي أعطيها كلَّ عام في كلِّ لبنان، هل تكفي كي لا أقسو عليَّ فأُحاسِبَنِي وأَتـَّـهمَنِي بالتقصير؟
وهذا الذي كنتُ (ولا أزال) أصرفُ عليه من وقتِي وجَهدي لتكريْم السوى (عبْر “الأوديسيه” لَجنةً ومَجلّةً) أهو مَجَّانِيٌّ لأننِي صرفـتُهُ للسوى عوضَ أن أَصرفَه لنـتاجِيَ الْخاص، أم كان لا بُدّ منه للإسهام في نَهضة لبنان الثقافية واختطاط نَهجٍ جديدٍ في مهرجانات(وندوات)التكريْم وتكريْم الذكرى: دقةً وأسلوباً وانضباطاً وحُسْن تنظيم؟
وهذا الكثيْرُ الذي ينـتظرنِي بين أوراقي (مُخططات قصائد تنـتظر إكمالَها، أو مواضيع تنـتظر كتابتها) إلى متى أؤجّل كتابته وأنا مشغول أو متشاغل بِما يُـزَأبق الوقتَ (فَالعُمرَ) من بين أيامي، فلا أعطيه إلاّ نزْراً (خلال خلواتِي الصيفية في رأس الْمتن) وأمارس عليه التأجيل، والتَّرَجّي أن يُمهلنِي إلى وقتٍ (أو عمرٍ‍‍؟!) لاحق؟
في ذكرى ميلادي (اليوم)، وأنا أطوي الرابعةَ والْخمسين، أَجِدُنِي واقفاً أمام اثنين: قلمي والشعر، الأول كي يظلَّ يُسعفني على تلبية الآخَر، والآخَر كي يظلَّ يرفدني بِما أُرضي به اثنين: قلبِي وضميْري.