هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

272: في “عوربة” الأسماء أيضاً وأيضاً

السبت 28 أيلول 2002
– 272 –
اعترض كثيرون على مقال الأسبوع الْماضي (“أزرار” 271) معتبرين الْموضوع موجَّهاً ضد اللغة، فيما هو بالأحرى ضد مَن يسيئون الى اللغة في تعصُّبِهم لِحروفها جهلاً وأمِّيَّةً وقصوراً. وفيما يرى أولئك ضرورة “تعريب” الْحروف والأسْماء (فإذا بـ”أسكار أكاييف” رئيس جُمهورية غيرغستان يصبح معهم “عسكر أكاييف”، و”ألْما آتا” عاصمة كازخستان تصبح معهم “الْمحطّة”، و”ماهاتْجكالا” عاصمة داغستان تصبح “مَحج قلعة”،…) نَجد العكس تَماماً بأن في صميم الْحروف العربية لفظاً لاتينياً جاهزاً لكنه فونيم صوتِي لفظي ليس له حرف. من هنا أن لفظة “فزع” هي بالفاء العربية، بينما لفظة “لا تفزع” بالعامية تقترب الفاء فيها من “V” اللاتينية، ولفظ “كذب” هي بالكاف العربية، بينما لفظة “لا تكذب” بالعامية تقترب الكاف فيها من “G” اللاتينية، ولفظة “بسم” هي بالباء العربية، بينما لفظة “ابتسم” أو “ابتسام” أو “أبكي” بالعامية تقترب الباء العربية فيها من “P” اللاتينية.
وإذا كانت اللغة من صنع الله، فالْحروف يصطلح عليها الإنسان، وفي قدرته أن يطوّعها للفظه كما يشاء، من دون أن يلفظ “أوروبا” بالباء العربية، أو يتحول معه “كوفي أنان” الى “كوفي عنان” في تعصب أرعن للغة العربية، لأن هذا خطأٌ تَخلُّفِي، ولا يتغيّر لفظ الاسم الأصلي بين لغة ولغة.
هذا الْخطأ التخلُّفِيّ يقودُنا الى ما يقع فيه مذيعون ومذيعات في الإذاعات والتلفزيونات عند مواجهتِهم كلمة أجنبية أو اسْماً غربياً، فلا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن كتابة الاسْم بالأصل اللاتيني كي يلفظوه بطريقة صحيحة، بل يستنسبون له لفظاً بالعربية فيَخرج معهم لفظاً مشوّهاً أو اسْماً ثانياً لا علاقة له بالأصل.
ولأنني مدمن على الاستماع الى “بي.بي.سي” لندن بالعربية: يزعج مذيعوها ومذيعاتُها الْمستمعين مرتين في كل نشرة أو موجز: الأولى بأصواتِهم النحاسية الزنْجارية يتعمّدونَها من أسفل قعر أدنى زلعومهم حتى ليكاد ينخطف لُهاثُهم وهم يتكلّمون، أو يقرأون نشرات الأخبار بأوتار صوتية عريضة غليظة رتيبة يَحسب السامع أن صاحبها آتٍ من تَحت الأنقاض أو أن صاحبتَها مولودة في آخر القرن التاسع عشر لكثرة التجاعيد في أوتارها الصوتية. والإزعاج الآخر لفظهم (ولفظهنّ) الأسْماءَ الأجنبية بـ”تعريب” مقصود يؤدي الى تَحريف الاسم أو اللفظ وتشويهه. وهذان الإزعاجان يَجوزان في إذاعةٍ فتية خاصة يديرها فتيان وفتيات في مطلع الْحياة الْمهنية، لكنهما لا يَجوزان في إذاعةٍ عريقةٍ يتمتع مذيعوها (رجالاً ونساءً) بِحدٍّ معقول من مَخارج الْحروف وبِمستوى مقبول من حُسن تشكيل الكلمات بدون أخطاء لغوية، لكنهم يشوِّهون الأسْماء الأجنبية بـ”عوربَتِها”، أو يَمُطُّون بين أحرف الكلمة الواحدة حيث لا يَجب الْمدّ، بينما يبتلعون نصف الكلمة حين يَجب التروي في لفظ كامل حروفها.
أما أن يكون أبو العلاء الْمعرّي قال: “… وإنّي وإن كنتُ الأخير زمانه لآتٍ بِما لَم تستطعه الأوائلُ” فليسمح لنا بِهذا الادّعاء وهو لَم يزد على “الأوائل” حرفاً واحداً ولا تسهيل فونيم، حتى لا يقع “الأواخر” بِمغالطات يظلمون فيها الْحرف العربي فيما هم جهلة ويتوهَّمون بأنّهم يتعصبون له.