هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

256: كندا… كندا… هل نتعلَّم؟

الخميس 13 حزيران 2002
– 256 –
أَيَجوز أن تكون تشاؤمياً الى هذا الْحد، سلبياً الى هذا الْحد، ل من الضروري ، كلما أراد معلن لفت النظر إلى سلعته التجارية ، أن يستخدم لَها جسد الْمرأة في وضع مثير ، أو جسدها عارياً إلاّ من وريقة إعلان؟
هل من الضروري استخدام جسد الْمرأة العاري لتسويق حذاء مرة ، وشراب مرةً ، ومستحضر تَجميل مرة ، ومستحضر تدليك مرة ، أو أية سلعة تِجارية لا علاقة لَها بالْجسد ولا حتى بالْجما ل؟
لا نأْتي الى هذا الْموضوع من با ب الْحشمة أو التبشير الديني أو الْحفاظ على تقاليد . فنحن مع كل تطوُّر ، ونَحن مع مواكبة العصر ، ونَحن مع كل إعلانٍ ذكيٍّ يلفت إليه ناظره . ولكننا نأْتي الى الْموضوع من با ب تسليع جسد الْمرأة واسترخاصه بـهذا الشكل وتعهيره الى هذا الْحد من وقاحة تطالعنا يومياً على نواصي الطرقات في لافتات كبيرة مضاءة تلفت إليها من بعيد ، ويُحملق فيها أولادُنا الذين نسعى الى إبعادهم عن الْمحطات الفضائية البورنوغرافية ثُم نطلق لِخيالِهم وساعة الافتراضات في لافتة كبرى على مدخل مدرستهم .
جسد الْمرأة العاري ليس جَميلاً وحسب ، وليس أنيقاً وحسب ، بل هو نعمة يعطاها الرجل لعينيه وروحه وقلبه وأحاسيسه ، إنّما في لَحظاتٍ حَميمة تنقلب هي نفسها الى لَحظاتٍ عاهرة حين تفقد تلك الْحميمية . وإذا كان الإيروتيسم من الفن العالي (الكابيلا سيستينا في الفاتيكان ، مثلاً) فإن لَمسةً واحدةً أو “وضعاً” واحداً يأْخذ هذا الفن الى البورنوغرافيا ، وهذه الأخيرة هي من القرف والنذالة والعهر ما تتحول معه اللحظة السامية الى بغاء .
إن الإعلان فن ، ولكنه حين يتحوّل الى قرف ، ينعكس سلباً على الْمعلن والْمادة الإعلانية . فهل من الضروري أن يكون في الإعلان صهر يشتم حَماته ، أو حَماةٌ تشتم صهرها ، للإعلان عن سلعة استهلاكية تستعمل النكتة الشائعة (السخيفة) عن الْحماة والصهر والكنة؟ أإلى هذا الْحد من الابتذال الرخيص التافه الْمقرف وصل الإعلان ، لأن كاتب النص ضحل الْخيا ل ، أو فاقد الذوق ، أو هابط الْمستوى ، أو بذيء التفكير؟
عبارة واحدة ذكية في إعلان ، تشدّ الزبائن الى السلعة التجارية أكثر من تسليع جسد الْمرأة العاري ، أو شتم الْحماة والصهر ، أو تَحويل اللافتات الكبرى على نواصي الشوارع الى صفحات “بلاي بوي” أو مشاهد مقززة رغم ما في الْجسد العاري على اللافتة من جَما ل وتناسق وإثـارة .
وإذا كان الرجل (في هذا الْمجتمع الذكوري) يرفض أن يبا ن سنتيمتر واحد من أية منطقة “حَميمة” في جسد زوجته أو حبيبته ، فكيف يرضى بتلك الْمنطقة “الْحميمة” (الشبيهة بـِما لدى امرأته) معروضةً على ناصية عالية تلتقطها العين ولا تعود تتنبّه الى الإعلان ولا الى السلعة الاستهلاكية موضوع الإعلان؟
ألا تكفي ذكورية الرجل ما يُمارسه من قهر على الْمرأة في الكثير من حقوقها ، حتى يعرض جسدها العاري بـهذا الشكل الوقح العاهر؟ إن في الْخفر إثارة تلميحية أقوى من كل استعراض ، فليعمد إليه الرجل ، كي يضمن لرجولته كرامة ، بدونِها يلزم رجولتَه الإعلانُ عن سلة النفايات .