هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

253: لبنان الحرية… أو ليس لبنان

23 أيار 2002
– 253 –
من شروط الْخطاب الأكاديْمي أن يكون توجيهياً وتكون فيه رسالةٌ بليغة للطلاب أو الْمتخرّجين. وهو هذا ما كان (وما يكون دائِماً) في خطبة جامعية ألقاها ذات يوم د. نبيل حيدر (نائب رئيس الْجامعة اللبنانية الأميركية للشؤون الأكاديْميّة) وأخذت مقاطعُ منها طريقها الى التلحيْن مع الْملحّن الْموهوب جوزف فريد خليفة فخرجت أغنية “الْحرية” أنشدتْها ذات الصوت الواثق الْجميل جُمانة مدوّر، في سياق “مهرجان الربيع” الذي دعت إليه – تَحت شعار “السلام على الأرض”- كلية الفنون والعلوم في الْجامعة اللبنانية الأميركية (فرع جبيل – مسرح سيلينا قربان) وفيه باقة أغنيات وضع ألْحانَها جوزف خليفة ورسَمَت كوريغرافياها نادرة عساف، فجاءت السهرة لوحاتٍ راقصةً جَمالية، ذاتَ أنغام جَميلة اعتدناها من جوزف خليفة، بصوت جُمانة مدوّر والطالبة الواعدة كثيراً رنا يونس.
الشاهد هنا (غيْر نَجاح السهرة ألْحاناً ولوحاتٍ راقصةً وتصويتاً جَميلاً) صعود د. نبيل حيدر الى الْمنبر، وارتِجالُه كلمة ركز فيها على أمرين جوهريّيْن لطلابنا الْجامعيين في كل لبنان : الأوّل أنَّ لبنان، منذ كان، واحةُ حرية، تقصدها الْجوالي والفئات والشعوب من دول الشرق، تستوطنها لِما فيها من مناخ حرية ليس في أيِّ واحدٍ من بلدانِهم، وهذا ما يفسر تقاطر الآلاف الى لبنان الْحرية منذ مئات السنين، كأنّما قدَر هذه البقعة من الأرض – لبنان – أن تكون موئل ناشدي الْحرية، ووطن الذين لا وطن لَهم إذ لا حرية في أوطانِهم.
والأمر الآخر في كلمة د. نبيل حيدر أن شبابنا – إذ يُهاجـِرون – لا يدخلون لاجئيْن ضعفاء، أعباء على الدول التي تستقبلهم، بل في حيثما يَحلّون يبْرزون لافتين مبرزين في مُختلف الْحقول حتى لَتَتَبَنَّاهُم الدول التي يستوطنونَها. وما لا يَجدون له فرصةً في لبنانِهم (العاجز جغرافياً ولوجستياً وديْموغرافياً عن استيعاب ملايين أبنائه إن هُم قرروا البقاء فيه) يَجدون فرصةً لـه في بلدان العالَم التي تستوعبُهم وتفيد من مواهبهم اللبنانية الْخارقة.
بلى، معه حق نبيل حيدر، وفي رسالته أفق واسع لطلابنا الْمتخرّجين : قدر لبنان أن يكون (ويبقى) واحة حرية وإلاّ فليس لبنان ولا يُمكن له أن يكون، أو يستحيل دولة كمنظومة الدول التوتاليتارية والإيديولوجية والديكتاتورية وذات الْحزب الواحد والْحاكم الواحد، والأمر الواحد ولو أحياناً تَحت غلاف (!) الديْمقراطية.
حتى في أعتى مراحل السيطرة العثمانية (وعدا بعض اللبنانيين مِمّن استسلموا أو استزلَموا لِمصالِح شخصية أو خاصة أو حفظاً لرؤوسِهم) بقي لبنان شعلة حرية في هذا الشرق، يأْوي إليه من يفتقدونَها.
وحتى في أهنإ مراحل الْهدوء والرخاء (عدا بعض اللبنانيين مِمّن ارتأوا الْهجرة) بقي لبنان مصدر مواهب الى كل العالَم، حين تنفتح الفرصة للخروج الى وساعة الفرص في الْخارج، من دون نكران الأرض الأم والوطن الأساس.
واليوم، وسط كل ما جرى ويَجري (وقد يَجري) يظل لبنان واحة حرية، أتى الى الْحكم مَن أتى، وعارض من السياسيين من عارض، ووالَى من والَى، جَميعها غيمات فقيرة عابرة، وفقاقيع صابون “مصلحجية” آنية زائلة.
يبقى لبنان الشعب، وهو الأساس. وشعبُ لبنان يولد ويَموت من أجل الْحرية.