هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

249: ذاكرة لبنان في مستقبل آثاره

25 آذار 2002
– 249 –
الْجمهور الكثيف الذي تابع د . أنطوان خوري حرب في مُحاضرَته “ذاكرة لبنان في مستقبل آثاره” بدعوة من “مركز التراث اللبناني” في الْجامعة اللبنانية الأميركية” (“نَهار” أمس الأربعاء) خرج بانطباعَين متناقضيْن: الأول دهشة من هذه الكنوز الْمطمورة في أرضنا أو الْمهملَة على سطحها ، والآخر حزن وأسف وغضب على جهل اللبنانيين والْمسؤولين حقائق هذه الكنوز وعدم مبادرتِهم إلى استصلاحها وترميمها واستثمارها لتكون نقطة جذب لسياحة ثقافية يُمكن أن تعود على لبنان بـمبالغ طائلة تَجعل وزارة الثقافة ووزارة السياحة خارج حزام الفقر .
مذهلٌ حقاً ما قاله أنطوان خوري حرب : معالِم عندنا مَجهولة في جب جنيْن (البقاع الغربي) وعدلون (الْجنوب) والعقيبة (كسروان) وكُبّا (البترون) وأنطلياس ونَهر الكلب ، والدكرمان (صيدا) وفي البقاع: مَجدل عنجر والدَّكْوَة وكْفَرزبَد ونيحا وقصر نبا والفرزل وتِمنين الفوقا وشْليفا ، وفي الشمال: السْفِيْرَة ، مقام الرَّبّ (عيْن جعلوك) ، عيْن عكرين ، بْزيزا ، وفي بقاع كثيرةٍ أخرى من لبنان الْجنوب والْجبل ، إلى الْمعالِم الْمعروفة في جبيل (مساكن الألف الرابع ق .م . ، الأسوار ، الْمعابد ، مدافن الْملوك وبينها ناووس أحيرام وعليه أول أبْجدية كاملة في العالَم) وصور (الْمنشآت الرياضية والْحمّامات والْمدافن والشوارع والْخزانات) وصيدا (معبد “أشْمون”إله الشفاء ، ونواويس ملوكِها الْموَزَّعة بيْن متاحف بيروت واسطمبول وباريس) وبعلبك مدينة الـ”تريليتون” (الْحجارة الثلاثة : أضخم حجارة بنائية مقصوبة في العالَم) مُعجزةُ العمارة الفريدة ، وأفقا والطقوس الأدونية فيها ، وقانا الْجليل: أجرانُها ، نقوشُها الصخريَّة ، النصوص التاريْخيَّة ، علاقتُها بالْمسيح ، والكثير الْمطمور في أرضِنا الْمكتَنِزَةِ تُراثاً أَلفيّاً منذ إنسان ما قبل التاريْخ ، متى (ولِماذا لا) يتمُّ الكشف عليه؟ إضافةً إلى تَحديد لبنان مكاناً وزماناً من خلال اسْمه وهو أقدم الأسْماء الْحالية بيْن دول العالَم . وخلُص الْمحاضر الْخبيْر إلى أنَّ في لبنان إرثاً حضارياً تاريْخياً علينا أن نستثمره ثقافياً وسياحياً وخاصة لأجيالنا الْجديدة .
أجيالنا الْجديدة! هنا النقطة الْمحورية . لن ننعق كالبوم على الدولة أن تتحرّك وتستصلح وتستثمر ، فدولة لبنان ، منذ تكونت ، غائبة عن الْحس الْحضاري والثقافي والتراثي ، بل فلنتوجه إلى أجيالنا الْجديدة حتى يتعرَّف أبناؤنا إلى لبنانِهم ، فلن يُحبوه ما لَم يعرفوا حقيقته الْحضارية والتاريْخية التي لن ننتظر من الدولة أن تريهم إياها بل فلتنظم مدارسهم رحلات لَهم سياحية داخل لبنان ، حتّى يتعرَّفوا إلى لبنان خارج كتاب الْجغرافيا وأغاني فيروز . فلتبادر مدارسنا إلى تنظيم رحلات داخلية لأبنائنا على معالِم لبنان ، مَجهولِها والْمعلوم ، حتى لا يصدّقوا عباقرة السياسة عندنا بأن لبنان “وطن صغير” بل فليؤمن أبناؤنا بأن لبنانَهم وطن عظيم ذو تراث إنساني إبداعي تاريْخي أثري عبقري ، ولكن مأساته أنه وطن ذو . . . دولة صغيرة .
وإنّما لأجل هذا التراث العبقري ، كان “مركز التراث اللبناني” في الْجامعة اللبنانية الأميركية .