هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

233: عريّ الضياع وبرد الرحيل

الخميس 3 كانون الثاني 2002
– 233-
لم أكن أحدس (رغم اقتناعي المسبق) بأن “أزرار” الأسبوع الماضي (“نهار” الجمعة 23 كانون الأول 2001) ستفعل في المعنيين ما فعلت، وتوجد جواً من الارتياح لما سيكونه “مركز التراث اللبناني” في الجامعة اللبنانية الأميركية (مكتبة جبران- بيبلوس) من مهمة رسولية في حفظ تراث أدبائنا وشعرائنا ومسرحيينا وموسيقيينا وتشكيليينا وسائر المنتخبين في الحقل الثقافي.
فصباح صدور المقال اتصل هاني فروخ، واضعاً في تصرف المركز كامل تراث والده مصطفى فروخ (المكتوب منه وعنه، لا المرسوم، لأن المركز لا يضمر أن يكون متحفاً للفن التشكيلي، بل حافظاً لوثائق وكتابات ومستندات من التشكيليين وعنهم) معتبراً أن هذا المركز سيحفظ الذاكرة التشكيلية في لبنان. وهاني فروخ جدير بهذا القول لأنه يعرف أهمية ما لا يزال منذ نصف قرن يواصل جمعه وحفظه من تراث مصطفى فروخ.
وصباح اليوم نفسه، اتصل المحامي شوقي قازان واضعاً تراث أنطون قازان كذلك في عهدة المركز بكل ما في متروكات أنطون من أوراق ومخطوطات ورسائل وكتابات لم ترَ النور بعد وكانت تنتظر من يحضنها.
وفي غمرة تحضيراتنا لتأسيس المركز تعهدت السيدة هاديا حبيش إيداعه أوراق والدها الرائد فؤاد حبيش بكل ما فيها من وثائق ومراسلات وكتابات ذات علاقة بتلك الحقبة المباركة من تاريخ لبنان الأدبي، أيام كانت “المكشوف” لولب تلك الحركة بأعمالها وأعلامها ونشاطاتها ومنشوراتها. وهذه، في ذاتها، ثروة كبرى للذاكرة الأدبية اللبنانية، تنتقل من إدراج فؤاد حبيش مبعثرة منسية، إلى تنسيقها وتبيوبها وعرضها لمن يرغب في الاطلاع عليها من الدارسين والباحثين ومؤرخي الحركة الأدبية في لبنان.
وعلى هذا المنوال تتواصل الاتصالات من أدباء وشعراء وموسيقيين ومسرحيين ومفكرين ومؤلفين، جاهزين لإرسال كتاباتهم إلى المركز، كي يحفظها لهم ويعضرها، وفق أحدث طرق التوثيق، أمام الدارسين في المستقبل القريب، فيصبح المركز مرجعاً مركزياً للذاكرة الثقافية اللبنانية، مثل مكتبة الكونغرس في وشانطن والمكتبة الوطنية في باريس، وسواهما من مراكز عالمية تحفظ تراث بلدانها، وأحياناً سواها من البلدان.
غير أن “مركز التراث اللبناني” سيتكرّس للإرث اللبناني الأدبي والفني والفكري، المكتوب والمنشور في لبنان، أو اللبناني الصادر في الخارج، في أي بلد من بلدان العالم، وفي أية لغة من لغات تلك البلدان.
وإذا كان في ضمت المؤلفين، غالباً، هاجس قلق إخراس على مصير كتاباتهم (منشورها والمخطوط) ووثائقهم بعد أن يرحلوا، خوف أن يلفها عري النسيان وبرد الضياع، فهذا المركز سيتقبل كتاباتهم فيحفظها وهم أحياء، ويحافظ عليها بعد غيابهم، كي لا يصيبها عري الوحدة والنسيان، وبرد الضياع والرحيل.