هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

207: لا تدخلوا بينهما وبين فيروز!

الخميس 28 حزيران 2001
– 207 –
ليس من عادتي الرد على منتقدي كتاباتي وكتبي حين يتعلّق الأمر بي أو بآراء لي. أما حين يتعلّق بسواي عبر قلمي، وخاصة حين هو عن مقدسات فيروز والأخوين رحباني، الثالوث الرمز الذي يعادل لبنان، فالأمر مختلف.
لا يزيدان أحد (وكتاباتي الكثيرة منذ ربع قرن شاهدة) على انحيازي إلى صوت فيروز، الذي، كما قلته قبل أيام في احتفال الأونيسكو “تحية إلى الأخوين رحباني”، لم يعد صوتاً بل بات “أيقونة روحية”، أي حاجة لنا ضرورية.
ولم يعد جديداً (ولا هو يضيف شيئاً) انحيازي إلى شعر الأخوين رحباني قيمة شعرية عالية تضاهي نتاج كبار الشعراء، وانحيازي إلى ميلودياها وأثرها في تأسيس الأغنية اللبنانية منذ نصف قرن، ولسنوات طويلة مقبلة.
وكتابي “الأخوين رحباني- طريق النحل” ليس دراسة لنتاج الأخوين رحباني، وكما قلت في المقدمة “ليس أكاديمياً عنهما”، بل هو خميرة أولى بسيطة معافاة للدراسات التي سوف (ونتمنى أن) تظهر في المستقبل.
ولا أفهم لماذا يتنطح جهلة ومغرضون وساذجون وغير أبرياء، فيعتبروا من يكتب عن فيروز خصماً للأخوين رحباني، أو من يكتب عن الأخوين رحباني خصماً معادياً لفيروز. ما هذه السذاجة البلهاء، وهذا الدس الرخيص؟
مراراً قال لي منصور أن “فيروز موهبة استثنائية مفردة لا تتكرر”، ولم أسمعه يوماً ولا مرة واحدة يقول عكس هذا. وكذلك لم أسمع فيروز يوماً ولا مرة واحدة تقول لي كلاماً عن منصور دون مستوى احترامها موهبته الفذّة.
وكتابي عن الأخوين رحباني يحمل فيروز في كل صفحة من صفحاته، وفي الكثير من الصور التي يزدان بها، وهو يبدأ مع ولادة عاصي ومنصور ويتهي عند غياب عاصي مرة ثانية (21 حزيران 1986) ولا يأتي على ذكر أعمال فيروز وأعمال منصور بعد هذا التاريخ. ذلك أن الكتاب هو عن عاصي ومنصور كـ”أخوين”. وحين انتفى وجود “الأخوين” انتهت مهمة الكتاب، وهذا ما رمى إليه الناشر جوزف رعيدي الذي حرص على إدراج الأخوين رحباني في سلسلته الرصينة “منارات من لبنان”، كما حرص على توزيع الكتاب هديةى لمن يرغب، فلا طموح تجارياً له ولا هو يسعى إلى كسب أو شهرة من إصدار السلسلة أو أي كتاب فيها.
فلتتوقف هذه المهزلة التي تطال الكبار وتتسلى بأخبارهم على غرار المجلات الفنية الفضائية. ثلاثي فيروز قيمة فنية عالية في ذاتها، ولا شأن لأحد في روابط أو علاقات عائلية تحكم هذه الأسرة الرحباني الموصودة على قدر ساوى فيها الآه بالآخ، حتى باتت الآلام على حجم ما أعطت الناس من أفراح وسعادة.
من أشعر ممن: عاصي أم منصور؟ من المبدع موسيقياً: عاصي أو منصور؟ من أطلق من: الأخوين رحباني أطلقا فيروز أطلقت الأخوين رحباني؟ هذه أسئلة تحريضية يوضاسية بيلاطسية تؤذي هالة هذا الثالوث الذي، كلبنان والأرز، لا يمكن تجزيئه. فمن نعمة الله على فيروز أنها غنت شعر الأخوين رحباني وألحانهما، ومن نعمة الله على الأخوين رحباني أن صوت فيروز هو الذي أوصل إبداعهما إلى آخر الدنيا. وكل كرم بعد ذلك باطل الأباطيل.
الثالوث الرحباني يعادل لبنان. ولا يمكن بنار التفرقة من شاهدوا ماذا حل بلبنان حين اندلعت فيه النار.