هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

182: سلام الراسي: تسعون شمعة

السبت 30 كانون الأول 2000
– 182 –
حين كنا متحلّقين حوله تلك الأمسية، نحتفل به في يوم عيد ميلاده (25 كانون الأول- نهاد عيد الميلاد)، كان هو بيننا الأكثر صبا وشباباً وتألّقاً وحياة، حتّى كأنه هو الذي جاء يعايدنا. وحين انحنى يطفئ شموع العيد على قالب الحلوى جاءت نفخته من بعيد، من سنوات سحيقة زادها العمر صفاء ذهن ونقاء فكر وملاحة ذكريات.
سلام الراسي، ونحن نحتفل بعيد ميلاده التسعين، احتفلنا كذلك بصدور كتابه الجديد “أحسن إيامك سماع كلامك” (عن منشورات نوفل- الجزء السادس عشر من سلسلة “الأدب الشعبي”- أدب الناس للناس)، فإذا بالكتاب “عيدية” مؤثرة في قلبه، إلى “عيدية” أخرى بوجود بكره جهاد (علي جهاد الراسي) الموسيقي الذي يزرع في الولايات المتحدة ملامح الموسيقى الإتنية في طلابه (جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس) وفي الأعمال المطبوعة (آخر ما صدر له اشتراكه مع الرباعي كرونوس في أسطوانة جديدة: “الثقافة”- مجموعة أعمال موسيقية إتنية منوعة).
أتقدم من أبو علي: “أي عيد هو هذا؟” فلا يجيب. ينهض إلى غرفته، فيعود منها بـ”شهادة ولادة” عثمانية، أقرأ فيها: “دولةْ عليةْ عثمانيةْ تذكرةْ سيدي”، وأتابع: “اسمي وشهرتي: سلام الراسي- محل إقامتي: إبل السقي- اسم والدي: يواكيم أفندي- اسم والدتي: راحيل الشماس- تاريخ ومحل ولادتي: 1327 إبل السقي- ملّتي: خرستيان- سجل نفوسي: مرجعيون”. وأستفهم منه بالضبط، فلا يتذكر سوى أن أمه كانت تحتفل بذكرى مولده نهار عيد الميلاد، وأن سنة 1327 هجرية صادفت بين العامين الميلاديين 1910 و1911. غير أنه، من أخبار تناقلها عن أمه، يذكر قولها إنه ولد في القسم الأول من العام الهجري، مما يرجح أنه مولود عام 1910م.
ها هي ذي التسعون تعانقه فنعانقها معها في الطابق الثالث، وكنا قبل ثلاثة أسابيع، في الطابق التاسع من البناية نفسها (“الدار الخضراء”- قريطم) احتفلنا بالعيد الثالث والتسعين لميلاد الدكتور نقولا زيادة، ذاك الشاب التسعيني الآخر الممتلئ حياة وحيوية ونشاطاً ورغبة في الأخبار والأسفار والمحاضرات والتأليف.
وبالعودة إلى “أبو علي” سلام الراسي، ملأ تلك السهرة، قبل أيام، طرائف وأخباراً، محاطاً بأصدقائه الأقربين: إملي نصرالله، حسن الرفاعي، وأطباء كبار ورفاق درب ومسيرة، وكان هو بيننا- بصوته المتهدّج الفتي- في منطقة وسطى بين الفرح والتأمل، ينسى بعض آلامه العارضة، ويتجاوزها إلى حب الحياة التي ملأتها زوجته إملي رخاء وروضة، حتّى قال عنها (في كتابه الجديد) خاتماً إحدى قصائده:
“… فكيف أضلُّ والإنجيل عندي وعندي صورة العذراء مريمْ
وعندي “سورة الشعراء” فأصفحْ عن الغاوين يا رباه وارحمْ
وعندي زوجة جعلت حياتي نعيماً كلّما عمري تقدّمْ…”
وفيما كنا نودعه على الباب، نضح من وداعه أرج آت من بعيد، كأنه طيب زيتونة مباركة واعدة بخير كثير بعد، وبعطاء يتقطّر جنى وفيراً تحمله لنا… تسعون سلام الراسي.