هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

134: قانا… قانا… أين أنتم؟

الخميس 3 شباط 2000
– 134 –
في صالون وليم حسواني، تحلقنا مساء الاثنين الماضي في خشعة الإيمان حول الدكتور أنطوان الخوري حرب، يلقي علينا محاضرة (مدعومة بالسلايدات) حول قانا، تاريخاً وجغرافياً وآثاراً واستشهادات.
مرة أخرى، قانا في الواجهة. قانا المهملة اليوم كأية خربة ذات حجارة أثرية. قانا التي لو تحرك المعنيون بفتح ملفها (ملفها الحقيقي الذي بات لا يقبل جدلاً ولا شكاً ولا تردداً) لجعلوها، كما أضمر الرئيس نبيه بري أن يسميها، “فاتيكان الشرق”، ولانتقل الحجيج من بيت لحم والناصرة والقدس، إلى عندنا، إلى جنوبنا، إلى قانانا.
انطلق المؤرخ الخوري حرب من الموقع (أرض أشير) كما ورد في جميع الكتب المقدسة، ومن كونها في جليل الأمم (الأمم= كل أرض غير يهودية)، ومن ظاهرة المقالع والمعابد حولها (كما في مناطق عدة من لبنان) وبأن معظم الأنصاب في المعابد هي أنصاب مدفنية، إلا أنصاب قانا ونقوشها (حد مقلعها) مما يعني أنها كانت أنصاب تخليد ذكرى وليست مدفنية إذ لم يظهر في الأرض المحيطة أية نواويس أو مدافن.
وركز الخوري حرب على أهمية صور، انطلاقاً من قول المؤرخ اليوناني سترابون المعاصر للمسيح: “اليوم أيضاً، كل من يروم التثقف في أي حقل من العلوم، يجد في صور وصيدا مراجع ومصادر أكثر مما في أية حاضرة أخرى” (المجلد 16)، مما يعني أن المسيح في صباه وشبابه كان على شاطئنا ينهل المعرفة من ينابيعها الأغنى، في بيئتنا الحضارية الكنعانية الفينيقية- أي اللبنانية بهذا السياق التاريخي طالما كان لاسم لبنان في التاريخ مدى جغرافي سبق الفترة الكنعانية الفينيقية، هو المذكور في ملحمة غلغامش (الألف الثالث)، وملحمة أوغاريت (1300 ق.م.)-.
كما نوّه المؤرّخ الخوري حرب بكلام المؤرخ جواد بولس أن “لبنان أمة جغرافية، لأنه وليد الجغرافيا قبل أن يكون وليد التاريخ”. من هنا استطراد حرب أن تاريخنا هو ابن جغرافيانا (لا العكس)، وويل لنا من جغرافيانا (وخاصة هذه الراهنة و”المهددة” اليوم)، إذا سمحنا أن تتحول بنت تاريخنا اليوم، فالتاريخ متحرك بينما الجغرافيا ثابتة.
حقائق موثَّقة ودامغة سردها أنطوان الخوري حرب، منها جديد توصل هو إليه (خاصة من أطروحته الأكاديمية التي تصدر قريباً في كتاب حول اسم لبنان في التاريخ)، ومنها معروف كالاستشهادات من المؤرّخ أوساييوس القيصري والقديس جيروم، وما يذهب إليه سعيد عقل (رائد الكلام عليها)، والمؤرخ يوسف الحوراني.
حجج علمية تتوالى… ولا من يتحرّك. منذ فترة، بعد فتح ملف صور على وساعته مدعوماً بالوثائق التاريخية والإثباتات، هرعت منظمة الأونيسكو إلى تشكيل لجنة دولية لحماية صور، ووضعت صور على لائحة التراث العالمي.
فما بال مسؤولينا (دينييهم والدنيويين) لا يتحركون إلى تشكيل ملف كامل (مطوّر عن الذي حمله الرئيس نبيه بري إلى البابا)، يجعل قانا محور استقطاب العالم، فيكون لبنان هو هو عنوان الألفية الثالثة (لبنان صيدا وصور وقانا وسيدة المنطرة وشفاء المرأة الكنعانية) عوض أن تظل إسرائيل زوراً تستقبل سياحاً يظنون أن فيها مهد المسيح وسيرته؟