هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

133: … وحامل الخليوي… أحياناً وقح

الجمعة 28 كانون الثاني 2000
– 133 –
الاتصالات التي انهالت علي عند صدور مقالي السابق (“أزرار” 132)، وردود الفعل التي قيلت لي شفاهة، دلّت على الإزعاج الذي يعانيه الكثيرون من “اجتياح” الآخرين لهم عبر الخليوي، مما جعل ذلك ظاهرة عامة.
غير أن للخليوي آفة غير تلك من المتصلين، هي آفة المهاتفين أنفسهم، بعدما باتت هذه عادة مقرفة مقززة وسط مجتمعنا الغارق في بشاعات التشاوف، والطائف على وجه أمراض اجتماعية بشعة، بعضها الخليوي.
فالذي لا يحلو له الاتصال إلا في الشارع وسط الزحام، فيما هو يعبر الطريق عير منتبه إلى السيارات حوله.
والذي يتحدث خليوياً في المقهى فيزعج الآخرين حوله بصوته المرتفع وضحكاته، وقهقهاته السمجة.
والذي يدخل صالة محاضرات أو قاعة موسيقى أو غرفة اجتماعات، ويشكل خمس مخالفات اجتماعية فظة: أنه ترك جهازه مفتوحاً، وأنه يزعج الآخرين برنينه، وأنه يفتح جهازه ليجيب عن المكالمة بدل أن يقفله، وأنه يجيب أحياناً بصوت مرتفع يزعج من حوله، وأنه عندما ينتهي يتركه مفتوحاً عوض أن يقفله كي لا يرن ثانية.
هذا كي لا نتحدث عن ظاهرة فولكلورية باتت تثير القرف وترهق الأعصاب، حين يكون أربعة إلى طاولة في مقهى، وكل منهم يتحدث من جهازه الخليوي، منعزلاً عن الآخرين فيما يستعمل كل واحد من الركاب جهازه الخليوي، حتى تبات السيارة برج بابا صغيراً فلا يعود لأحد علاقة مع أحد، ولا يعود أحد يسمع شريكه على الخط الآخر من الجهاز.
وقد تبلغ الوقاحة الصلفة ببعض ثقيلي الدم أن يتركوا أجهزتهم الخليوية مفتوحة حتى في الكنائس، وفي عز الصلاة والخشوع والتأمل والتركيز. وبلغني أن سيادة المطران الياس عودة زجر أحدهم خلال القداس نهار الأحد الماضي فيما كان يلقي عظته، وإذا بجهاز يرن في الكنيسة مرات، وبصاحب الجهاز يفتحه بكل وقاحة ويجيب.
ومساء الثلثاء أول أمس، كنت في معهد غوته أحضر أمسية موسيقية من باخ (لمناسبة مرور 250 سنة على وفاته). وفي عز السكون الرائع والإصغاء والاحترام لخشعة الموسيقى، ورغم تنبيه مديرة المعهد (الألمانية غير المعتادة في بلادها السنوبيسم المتفشي عندنا)، رن جهاز وسط القاعة، فاستدارت الرؤوس وتمتمت الشفاه واغتتظت العيون غضباً من هذه الوقاحة التي تسم بعض مجتمعنا بما ليس فعلاً فيه.
لا نريد أن نهاجم الخليوي كأداة. لن نكون متعصبين إلى هذا الحد من التخلف ورفض التقدم التكنولوجي. ولا نريد أن نقول أنه غير ضروري، خاصة أن ليس عندنا بعد ما عند الدول الغربية من أشكاك هاتف عمومية في الشوارع والأماكن العامة. لكننا نريد أن نطرح الصوت عالياً، وبقسوة القرف والاشمئزاز، ممن جعلوا الخليوي وسيلة سنوبيسم لهم، وأداة إزعاج للآخرين، في مجتمع متخم جداً من المصابين بالسنوبيسم والمهوبين بالإزعاج.