هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

127: حين سعيد عقل يشرح سعيد عقل

الخميس 16 كانون الأول 1999
– 127 –
ذات يوم من 1993، وأنا في المنأى المؤقت على بحيرة الليمون في فلوريدا، قرأت في صحيفة لبنانية وصلتني أن سعيد عقل بدأ يعطي دروساً في جامعة سيدة اللويزة حول الجماليا في الأدب. فكتبت يومها افتتاحيتي في جريدة “الهدى” النيويوركية حول هذا الموضوع، وغبطت طلاباً لبنانيين يقيض لهم أن يحضروا “صفاً” عند “الأستاذ” سعيد عقل الذي تتلمذت عليه، لا على شعره فقط، أجيال ممن هم اليوم أساتذة أو مؤلفون أو فنانون أو مبدعون في الوسط الثقافي.
في نهاية الافتتاحية، تمنيت بكل حرقة لو انني في لبنان، لأكون أول الواصلين إلى الصف لحضور ساعة درس على سعيد عقل عن الجماليا في الأدب، وهو من هو في فن الجماليا هذا العصر.
وبالفعل، لدى عودتي النهائية إلى لبنان (1994) كان من أول ما قمت به حضوري صف “الأستاذ” سعيد عقل، مصحوباً بآلة التسجيل والدفتر الخاص كي لا تفوتني منه كلمة واحدة.
هذا العام أيضاً، أعلنت جامعة سيدة اللويزة عن سلسلة جديدة من دروس يلقيها سعيد عقل، وأن “الحضور متاح لمن يرغب”. وتصورت أن “زحفاً” سيحصل، من غير الطلاب، لحضور دروس الشاعر الذي طبع العصر، يتحدث عن تكنيك الجماليا التي جعلته شاعر هذا العصر. غير أن “الزحف” ما زال مقتصراً على اثنين من خارج الجامعة: السفير فؤاد الترك، وأنا، وعلى اثنين من أسرة الجامعة: الدكتور منصور عيد والشاعر سهيل مطر، ومجموعة طلاب يتابع بعضهم الدرس على أنه “فرصة حقيقية”، والبعض الآخر على أنه من الحصص المطلوبة للامتحان.
غير أنها، في الحقيقة، “فرصة حقيقية” أن يتاح لنا الإصغاء إلى سعيد عقل التقني يشرح سعيد عقل الشاعر في “صلاة مرى” وبعض قصائد “رندلى”، واقتراحاته الجمالية لقصائد من شعراء الجاهلية أو العصر العباسي، فتخرج أبياتهم، باقتراحاته، ذات بعد شاعري أبلغ وأعمق وأبقى.
وكم أتمنى على النقاد والشارحين وواضعي الكتب المدرسية والمحاضرات الجامعية أن يحضروا دروس سعيد عقل في جامعة سيدة اللويزة، حتى يكون لهم أن يكتنزوا تقنيات لا يعرفونها في نقدهم أو شرحهم أو كتبهم المدرسية والجامعية حين يدرسون سعيد عقل أو أي شاعر أو أي قصيدة.
إنه يعطي بسخاء، يشرح بمحبة وغبطة. يفضح أسرار لعباته الشعرية وتركيباته وتقنيته المذهلة ولا يتحفظ، في قبضة يده قمح كثير ينثره على الحاضرين، كالشمس ترسل نورها ولا تسأل عمن يستفيد وكم وكيف. وهذا هو العطاء الحقيقي.
من لم يحضر سعيد عقل يشرح شعره أو تقنية الشعر، يظل ناقصاً عنده بلوغ كنه الشعر.