هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

123: “أبو جهل” الأول في أول كانون الأول

الخميس 18 تشرين الثاني 1999
– 123 –
الأول من كانون الأول موعد محاكمة مارسيل خليفة في بيروت وليلى العثمان في الكويت.
موعد واحد لمحاكمة صوتين “خارجين عن السرب” بتهمة نشدان الحرية، وبتهمة أنهما خرجا على قوانين القبيلة التي تضع حدوداً للتفكير والتصرف و..جرعة الحرية و”الديمقراطية”.
موعد واحد لظاهرة واحدة: التجهيل (من الردة إلى الجاهلية)، تجهيل وأد البنات، وتجهيل العقوبة التي تطارد العصافير على وساعة أجنحتها والنخيل على مسابقته بكل عنفوان.
موعد واحد: فهل تذهب بيروت إلى الكويت، أم تجيء الكويت إلى بيروت؟ وما الفرق ما دام أبو جهل واحداً في العاصمتين بل في جميع هذه العواصم الممتدة من الماء إلى الماء؟
نتوقف عند ما هو أبعد من قرار قاض هنا أو رقيب هناك. فكلاهما موظف، والموظف مأمور، والمأمور دوماً هو “صوت سيده” وسيده هو “أبو جهل” الذي، في عصر العولمة والإنترنت وبدابة حجر أماكن على سطح القمر والمريخ، يصر على إرجاعنا إلى حجر القرون الحجرية المتحجرة.
“أبو جهل” الذي يضايقه مشهد كوريغرافي عالي المستوى الفني بتوقيع موريس حجار، ولا يزعجه السقوط الفاحش في عهر هز البطن المقرف على الشاشات الصغيرة.
“أبو جهل” الذي يريد تفتيش مجلة “الآداب” ورقة ورقة بدءاً من عددها الأول قبل نصف قرن، كي يسمح لها بالخروج من بيروت مجموعة كاملة إلى إحدى الجامعات الكبرى في أوروبا.
“أبو جهل” الذي يشجع أولادنا على أخذ أول تأشيرة سفر لبلوغ أول مطار والسكن في أول بلد يستقبلهم ولا يكون فيه نظام “أبو جهل” الذي يتصرف باسم الدين، والدين منه براء، ويتصرف باسم الأخلاق والأخلاق منه أنوف، ويتصرف بما يقدم أكبر خدمة لأعدائنا الذين، منذ اغتصبوا أجزاء من أرضنا، وهم يتصرفون على أننا شعب متخلف لا يقرأ ولن يتطور.
في الأول من كانون الأول، سيمثل مارسيل خليفة في قوس المحكمة، وستمثل ليلى العثمان في قوس المحكمة، والمناخ العام في البلدين يشد بالعصر إلى ظلمات القرون المظلمة ونحن على أيان من فجر قرن جديد.
بأي حزن نواجه هذه الظاهرة؟ بأي غضب؟ بأي قرف؟ وبأي قناع نخفي وجهنا كي نخرج إلى عالم كان في طوكيو يشهد تكريم بيجار، وفي اليوم نفسه كان يشهد اعتراض الرقيب على مشهد من عرضه في بيروت؟
…وذات يوم حكم بيت “بو جهل” على غاليليه، فماتوا هم، وهو لا يزال حياً.