هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

122: أمام غيبوبة فاضل سعيد عقل

الخميس 4 تشرين الثاني 1999
– 122 –
ممنذ أسابيع رمادية، وهذه الصفحة تصدر بدون مقالته.
منذ أسابيع ونحن نفتقد قلمه/العين يراقب، يقول، يصحح، يهنئ، يتابع، و… يقول الوفاء.
الوفاء! كأن هذا الرجل ما برى قلمه يوماً، منذ امتشق القلم، إلاّ على مبدإِ الوفاء.
أول معرفتي به، أدبياً، قراءتي كتابه “أبو الحن” عن فجيعته بصديقه فؤاد حداد، وكان فيه رائداً في الوفاء للصداقة والإخوانيات وشلة كانت وانفرطت: فؤاد حداد، أسعد سابا، مغامس نجيم…
وأول معرفتي به صديقاً، كانت عام 1984 حين احتفلنا في “الأوديسيبه” بغياب فؤاد غبريال نفاع، يوم انتدبه الصديق الكبير النقيب محمد البعلبكي إلى إلقاء كلمة الصحافة، نائباً للنقيب، فقال كلمته في نفاع، ومرّ على بادرتي التكريمية بما أخجلني من نبل هذا الكبير الذي شجع ناشئاً مثلي.
وأهاجر إلى منآي المؤقت على بحيرة الليمون في فلوريدا، وأتولى رئاسة تحرير “الهدى” في نيويورك، فلا يغفل أن يتحدث عن “الهدى” ونشاطي فيها، هو الذي ترأس تحريرها فترة غير قصيرة.
وأعود إلى لبنان ذات فترة، فيخصص لي مقالته اليومية كاملة، معدداً ما في ديناميتي هناك من حركة للحركة الثقافية المهجرية المتعانقة مع ما كان لي في “الأوديسيه” قبل سفري من تحرك أدبي.
ونحتفي، بعد عودتي النهائية، بخمسين الياس أبو شبكة، وربع قرن على غياب أنطون قازان، وكلاهما حبيب إلى قلبه، فيخصص مقالته اليومية لدعم ذينك التكريمين بكلماته النبيلة الوفية.
ويحتفي به “الملتقى الثقافي في بلاد جبيل”، فأقول فيه نزراً مما أسلفني، ويخجلني من جديد ببادرته الشكرانية، كما فعل حين شاركت في “مجلس الفكر” بكلمة حول كتابه عن رفيقة عمره أنطوانيت، عندما لمحت في عينيه دمعة مكابرة وأنا أخطب، لم تنفر حتى سمعت نشيشها وهو يعانقني شاكراً في نهاية الندوة.
هذا بعض ما لدى هذا الكبير من وفاء، هو الذي رصد حياته على العمل الصحافي انطلاقاً من بوادر الوفاء: لأصدقائه، للأدباء، لتصويب ما يعرّج في السياسة كما في الثقافة، هو الذي نذر قلمه أن يكون العين الرقيبة لكل من ينتج من جيلنا، وجيل من قبلنا ومن بعدنا، بحنو الحنون العادل.
منذ أسابيع رمادية، وهذه الصفحة تصدر بدون مقالته، لأنه في المستشفى تحت غيبوبة ناء بعصفها على قلبه وعينيه، في شيخوخة تطالبه بحقها عليه.
نفتقد زاويته في “النهار”، يوجعنا غيابها، ونضرع له أن يعود إلينا ويعيدها إلى “النهار”.
لأننا ندفأ حين ترصدنا عين فاضل سعيد عقل، ونبرد حين نقف واجمين حول سريره.