هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

91: أفصحوا ولا تستهتروا باللغة

الخميس 25 آذار 1999
– 91 –
على أثر صدور الحلقة 84 من “أزرار” (“النهار” 5/2/1999) حول المندوبين في الإذاعات، اتصلت بي صبية م نإحدى الإذاعات، قالت إنها قرأت المقال، وكمندوبة تذيع يومياً رسالة أو أكثر، وجدت أنها معنية مباشرةً بالموضوع (من حيث الأخطاء اللغوية الكثيرة التي “يرتكبنها” المندوبون والمندوبات خلال بثّ رسائلهم الصوتية).
وأكثر: قالت إنها مدركة ضعفها، وتتمنّى أن يجيء يوم تذيع فيه رسالتها بدون أخطاء، ولكن ليس من يأخذ بيدها ولا من يصحح لها ولا من يسدي لها أي ملاحظة سلبية أو إيجابية.
هذا الأمر لا ينسحب على هذه الصبية وحدها (وهي جامعية في حقل غير الإعلام والأدب العربي)، بل على معظم المندوبين والمندوبات في جميع الإذاعات والتلفزيونات العاملة عندنا.
والأدهى في الأمر حين يعطون رسائلهم مباشرة على الهواء من مكان التغطية (قصر بعبدا، القصر الحكومي، مجلس النوّاب، قصر العدل، …)، فلا يمكن إجراء عملية “تجميل” لرسائلهم كما حين تكون مسجلّة مسبقاً فيرممها المونتاج. وهذا الأمر بات فاضحاً ويزداد فداحة يوماً بعد يوم.
أفهم أن يزلق اللسان عن نصب مؤخّر أو رفع مقدّم أو جرّ في مؤنّث سالم قد يؤدّي إلى هفوة، أما أن نسمع مجروراً منصوباً بعد حرف الجرّ مباشرة، أو فاعلاً منصوباً بعد الفعل مباشرة، أو تكسيراً بدائياً أرعن، كما مثلاً في أسماء المرفوعة أو منصوبات الأحرف المشبهة بالفعل، فإزعاج للأذن يلهي عن متابعة الخبر.
نتعصّب للغة العربية؟ ليس هذا هو القصد مطلقاً. ولكن، حين نتكلّم لغة فلنحترمها. وهل يمرّ هذا الاستهتار في دمشق مثلاً، أو بغداد، أو مصر، أو الرياض، أو مذيع أميركي في واشنطن أو إيطالي في روما؟ أو هل ترضى إذاعاتنا وتلفزيوناتنا بمذيعين لبرامجها الأجنبية يكسّرون بهذا الشكل الفاضح في اللغات الأجنبية؟
اللغة أي لغة، تراث لا يجوز الاستهتار به. مندوبونا تعساء في اللغة العربية؟ فليذيعوا بالعامية ولن يلومهم أحد، بل يصلون إلى إفهام الناس أسرع لأن بين المشاهدين والمستمعين من هم أكثر جهلاً من المندوبين في شؤون اللغة، ويستسيغون تلقي الرسالة بالعامية.
لبنان لا يمكن أن يكون، في اللغة، “مخنّثاً” ببعض مذيعيه أو “أرعن” ببعض مذيعاته. فإما أن يمتلكوا اللغة التي يذيعون بها، وإما فليذيعوا حفلات هزّ البطن وأغاني الطقش والفقش في المطاعم.