هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

41: إعلانيون روّاد وكان الالتفاف حول حقبة

الخميس 2 نيسان 1998
– 41 –
نقابة وكالات الدعاية والإعلان كرّمت ثلاثة من كبار روّادها والمؤسسين: شفيق هدايا، مختار شملي، وفيليب حتِّي.
وإذا الأوّل يستريح على ذكريات تراثه الطويل في هذا الحقل، والثاني يستريح مستأنساً بريشته يرسم لوحات انطباعية من أجمل ما تتكحّل به العين من مناظرنا اللبنانية، فالثالث ما زال فتى سبعينياً (هو مواليد الدامور عام 1928)، يحمل الذكريات ولا يستريح، بل يواصل في الساحة مستخدماً سنوات خبرته المهنية ضوءاً لأعوام جهاده المقبلة.
فيليب حتِّي، وأعرفه منذ خمس عشرة، ليس من روّاد صناعة الإعلان وحسب، بل هو من مؤسسي هذه الصناعة قبل نصف قرن، وواضع حجر أساس في صرحها الأساسي.
يوم جاء إلى بيروت من مسقطه الدامور (عام 1946) لم يحمل معه إلاّ إسماً كبيراً به احتمى مدخلاً له إلى العاصمة: والده يوسف أيّوب الحتّي صاحب “أرزة لبنان”، وكان توفي قبلها بعام واحد (1945) تاركاً لعائلته رصيداً معنوياً صحافياً ووطنياً كبيراً.
هذا الرصيد، وظّفه الفتى فيليب في أوّل عهده منطلقاً من مَجلّة عمّه خليل أيّوب الحتّي “الشعر القومي”، بالعمل الصحافي الذي سرعان ما انتقل إلى رافده الحيوي: الإدارة والإعلان. وهو هذا ما لفت الشاعر أمين نخلة فاستدعاه يتولّى إدارة جريدته “الشعب”، التي انتقل منها إلى “الديار” للمهمة نفسها.
في تلك الحقبة (1948) كان على الإعلان لغة غريبة على أركانه الثلاثة: المعلن نفسه، والجريدة، والقارئ المستهلك. فالمعلن كلن يدفع بإعلانه “تنفيعة” لصديقه صاحب الجريدة، وهذا كان ينشر الإعلان كيفما اتفق واتسع المكان، وعلى عدد من النشرات يقررها مدى صداقته مع المعلن، والقارئ المستهلك قلّما كان ينتظر الإعلان كي يلهف إلى البضاعة يقتنيها.
في مثل هذا الجوّ كان فيليب حتِّي يؤسس لصناعة الإعلان في لبنان، لتغدو بعد خمسين عاماً (اليوم) إحدى أهم الصناعات الفنية والتقنية التي يتميّز بها لبنان عن دول المنطقة.
ويوم أسس فيليب شركته (“الإعلان العالمية”، مع إيلي نوّار) لم يكن يدرك أنّه يضع حجراً مزوّي في صرح سيعلو ويعلّي إسم لبنان.
ولا تزال بيروت تتذكّر يوم احتشد الناس في شراع عبد العزيز لافتتاح محلآّت “فونتانا”، ومشاهدة الياس رزق مع شرنو يقدّمان لوحات كوميدية، ونتج أن باعت المؤسسة بمئة ألف ليرة يومها، ونظّم شرطيو السير محاضر “وقوف ممنوع” بمئة ألف ليرة، وبدأ عهد التلفزيون بالحملات الإعلانية التي لم تقلّ عن مئة ألف ليرة في اليوم الواحد. ويومها كان وراء هذه العجقة الإعلانية: فيليب حتِّي.
هذه الخبرة الطويلة تلمّستُها وفيليب حتِّي حين أسسنا معاً “ريبوراما” للخدمات الإعلامية الكاملة، وتسنّى لي أن أدخل عالم الإعلان ودوره الحيوي في الصحافة والإعلام، وحتَّى… في النشاطات الثقافية. وفهمت كيف يمكن أن أجمع “يوتوبيتي” الأدبية والفنية والثقافية، إلى تحقيقها عملياً بما يضمن لها تنفيذها على المستوى الأعلى بدون خوف على كلفة التنفيذ.
وازددت تعميقاً بوعي دور الإعلان ووسائله وأاسليبه، حين تولّت “ريبوراما” إنتاج “مجلّة الصحافة اللبنانية”، فرحت أهتم بالتحرير وأتابع توازياً نمو الحركة الإعلانية في كل عدد وطرق مقاربة المعلن في خدمات إعلانية أو في إعلامية تجيء مرافقة الإعلان. وكان وراء هذا الوعي ما كنت أتابعه من استراتيجياً فيليب حتِّي في التخطيط لكل عدد.
واليوم، ونقابة الصحافة تهيء ليوبيلها الألماسي (1924-1999)، ينتج فيليب حتِّي في “ريبوراما” أربعة أعداد يوبيلية ستكون مرجعاً لازماً وضرورياً لكل مهتم بالصحافة والإعلام.
وستكون وراء كلّ هذا، خبرة فيليب حتَّى في التخطيط والمتابعة، هذا الفتى السبعيني الذي يحتفل هذا العام باليوبيل الذهبي لدخوله حقل الإعلان (1948-1998) ولا يزال يشعر أنه يصقل الصورة التي انطلق بها منذ نصف قرن: “على العامل في حقل الإعلان أن يكون ناصع الصورة أوّلاً، كي يقدّم إلى المستهلك صورة ناصعة في إعلان ناصع”.
وهو شعار تاج، لكل ناجح متوّج.
وهو شعار يجسده كثيراً: فيليب حتِّي.