هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

39: نزار قباني لكلّ الأجيال في جزأين

الخميس 19 آذار 1998
– 39 –
غداً، الجمعة، بيروت تكرم نزار قباني.
الكتاب الضخم “نزار قباني”: شاعر لكل الأجيال”، الذي أعدته “دار سعاد الصباح” عن شاعرنا الكبير، في جزأين ضخمين (1122 صفحة)، والذي يضم 73 شهادة لأدباء وشعراء وأصدقاء من مختلف الدول العربية، أبت صاحبة الدار إلاّ أن ينطلق من بيروت، بيروت التي لها في قلب نزار وعلى هدب قلمه وفي لون رعشته، نكهة خاصة، وأرج مميز، كما لو انها- بما لها لدى بيروت ولبنان واللبنانيين- شاءت أن ترد تحية نزار إلى بيروت وأحبائه في بيروت.
وتكبر البادرة بكبر الهدف منها. بعدما آلت الدكتورة سعاد الصباح، الشاعرة الرهيفة حتَّى الرمش، أن تكرم المعاصرين من أعلام الإبداع العربي وروّاد الثقافة العربية، بإصدار مجلّدات عنهم تحوي شهادات وتقييمها، وبدأت بذلك عام 1995 بتكريم الشاعر ابرهيم العريض (في البحرين)، وهذا العام تكريم الدكتور ثروت عكاشة (في القاهرة)، خصصت العام 1997 لتكريم الكبير نزار قباني، وامتد التكريم إلى هذا العام بصدور الكتاب والاحتفاء به.
وهي عهدت إلى المنقب الرصين والباحث الأكاديمي الدكتور محمد يوسف نجم في الإشراف على الكتاب بجزأيه، نصوصاً وجمعاً وتقميشاً وتحريراً وصدوراً، حتَّى خرج بالحلّة الآنق مما يستاهل أن يصدر عن نزار أو أن يشبه أناقة نزار.
وغداً، في نقابة الصحافة، يلتقي أحباء نزار في بيروت، من لبنانيين (وما أكثرهم) وعرب تصدف أنهم في بيروت، ليتحلّقوا حول المدير العام لـ”دار سعاد الصباح” الزميل خالد قطمة، يعلن لهم ولادة الكتاب في حضور المشرف عليه الدكتور نجم، فيضعه في المتناول إرثاً أدبياً ذا بادرة هي أرفع ما يتوسّم شاعر أن يراه على حياته، عوض حفلات التكريم وتعليق النياشين ونواح الخطابات البليدة.
هذه الظاهرة يعرفها الغرب. ففي تكريم أديب، يتنادى أصدقاؤه، أو قسم الأدب في جامعة كبرى، إلى وضع كتاب حوله يبقى مرجعاً عنه رصيناً وعلمياً، يغتبط له صاحب التكريم كأغلى هدية.
سعاد الصباح، بإنتاجها هذا النوع من التكريم، نبيلة مرتين: بالبادرة على ما فيها من جهد وعطاء، وبنوع البادرة الذي يبقى في المكتبة شهادة حية يعاد إليها وتكون مرّت على قلب المحتفى به وانشرح.
غداً، في بيروت، عرس آخر للحبيب نزار قباني، الذي- حين وجع قلبه في لندن- دخلنا في بيروت غرف العناية الفائقة كي نشاركه الشعور بهلع تلك اللحظات الحاسمة، حتَّى إذا خرج هو منها، وجدنا جميعاً جالسين حول سريره (كما قالها في أوّل مقال له بعد عودته إلى الكتابة).
إن بيروت التي سقاها نزار من قلبه وقوافيه وأعصابه، أقلّ ما عليها أن تجمع غداً في نقابة الصحافة، حاملة إليه وردة الوفاء في يد، وحاملة في الأخرى الكتاب الضخم عنه (نزار قباني شاعر لكل الأجيال”)، شاعرة أنها تحبه أكثر، وتنتظره أكثر، وتضيء شمعة الصلاة عند هبوب كلّ عاصفة، كي لا تمر الريح قرب نافذة الشاعر النائم، لعلّه يحلم بقصيدة جديدة لبيروت يبوح بها حين يفتح جبينه الأشقر على نداوة الصباح.