هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

19: أنسي الحاج الحواري والذي ساهـَرَنا بنعمة الشـِّعر والبوح

الثلثاء 22 نيسان 1997
– 19 –
“حوار العمر” (مساء الأحد الماضي- مع جيزيل خوري- “أل.بي.سي. إنترناشيونل”) أعاد إلينا أنسي الحاج كما لو اننا لم نبتعد عنه، كما لو انه لم يغب عنا بصوته ونبرته والصورة.
غريب، أنسي! كلّما طالعنا، يطالعنا بهذا الوجه الهادئ (ونعلم كم يخبئ من براكين)، الخجول (ونعلم كم يخفي من شجاعة)، المنحني (ونعلم كم يضمر من عنفوان)، الصافي (وندرك كم يحتمل من اضطرابات)، البسيط (ونذوق كل مرة، أكثر فأكثر، ما في مواسمه من عمق مذهل).
ممتعة كانت السهرة مع أنسي. وعرفت جيزيل خوري كيف تديرها في حزم الأنوثة المهذبة وحسم الإعلامية المحترفة، حتى كانت دقائق السهرة تعبر فينا لذيذة مفيدة ذات نكهة مغايرة، عرف أنسي، بدون تكلّف ولا عمد، كيف يجعلها سهرة مع شاعر مؤسس، هو نفسه الشِّعر بقدر ما قصائده هي الشِّعر. وكنا نحبه أن يقرأ بعد، يقرأ أكثر، فقراءة أنسي قصائده- عكس الغنائية الشعرية العربية في قراءة الشِّعر- حادة على حنان، قاسية على عمق جمال، منتصبة على هناءة الانحناء.
أنسي، وهو الذي قال يوماً: “عجيب، توفيق يوسف عوّاد: حسبناه دخل التاريخ، فإذا هو لا يزال يصنعه”، كأنما عن نفسه كان يقول، أو (كي لا نجرح خجله) كأن هذا القول ينطبق عليه اليوم وكل يوم.
وأنسي، وهو الذي قال يوماً: “ظلّ سعيد عقل أربعين عاماً يرفض أن يتشبع”، هو نفسه أيضاً لا يزال منذ أربعين عاماً هذا المشاغب المغاير، الحاد الجمال في صدقه وبياض الحقيقة.
وأنسي، وهو الذي قال يوماً: “لم يكن الياس أبو شبكة شاعراً من الزوق، بل كان الشِّعر تقمّص رجلاً من الزوق”، هو نفسه أيضاً: شعر تقمص رجلاً منحه الشِّعر نعمة الحقيقة.
وأنسي، وهو الذي قال يوماً في “الرسولة”: “تغيرين العالم دون انتباه”، هو نفسه أيضاً، مساء الأحد الماضي، كان طفلاً دون انتباه، وعميقاً دون انتباه، وحقيقياً دون انتباه. كان كما ألفناه يكون: الصادق، الحقيقي، الواضح، الذي لا يتكلّف البحث عن كلماته، الذي تزلق منه الكلمات ناضجة بالشِّعر عن غير قصد.
وهكذا، كلّما اشتقنا إليه، نعود فنلقاه حيث تركناه المرة الماضية، موغلاً في الحقيقة، يتصارع فيه الرجل القاسي مع الشعر الحنون، يحتدم فيه الخاص الشرير مع الظاهر الصالح، ويتخاصم فيه “شق” المتمرّد مع “سطيح” الملاك، لتتكون منهذا المزيج شخصية جذابة إلى الصداقة وإلى الحب.
فمن علامات أنسي في الصداقة: الوفاء.
ومن علاماته في الحب: ابتكاره لغة الحب الجديدة.
ولهاتين العلامتين، نحبه.