هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

الحلقة 22 : حين يُسهم شرطيُّ السير في زحمة السير

(الثلثاء 16 آذار 2004)

الْمجمَّع التجاريُّ الْجديد الكبير، مداخله من الشارع، ويستغرق من الشارع زاويتين: عند أعلاها تقاطعُ شارعين، وعند أدناها تقاطع ثلاثة شوارع، وتفصل بين الزاويتين العليا والسفلى مسافةُ شارعٍ متاحٌ فيه السير باتّجاهَين، وعلى رصيفه عددٌ من لافتات “مَمنوع الوقوف”.
قبالة هذا الْمجمّع التجاري الْجديد الكبير، مقهى مدخلُه من الشارع نفسه، ومشكوكةٌ أمامه لافتات عديدةٌ كذلك لـ”مَمنوع الوقوف”.
ولكان طبيعياً أن يكون السير طبيعياً أمام هذا الْمجمّع التجاري، كما أمام الْمقهى، طالَما السيرُ في اتّجاهَين، والوقوفُ في الشارع مَمنوع، وفي الشارع شرطيُّ سيرٍ دائمٌ يراقب حركة السير.
غير أنّ كلَّ ذلك لا يَحصل.
فأمام الْمُجمّع التجاري الْجديد الكبير زحمةُ سيرٍ خانقةٌ لأن أَصحابَ السيارات لا يستحلون الوقوف إلاّ أمام الْمجمّع، رغم مواقف سيارات تَحت الْمجمّع تتسع لنصف سيارات بيروت. وحتى السائقون الذين يوصلون “الست” الى “الشوبنغ” لا ينتظرون الْمَدام إلاّ أمام الْمدخل، لأنها، من غير شر، تُحِبُّ أن تَخرج من “الشوبنغ” وتَجد الشوفور ناطراً على الْمدخل.
وأمامَ الْمقهى الْمقابلِ زحمةُ سيرٍ خانقةٌ أيضاً لأن رواد الْمقهى لا يستحلون الوقوف إلاّ أمام الْمقهى، رغم موقف واسع قبل الْمقهى بأمتار، وموقف آخر بعده بأمتار.
وشرطيُّ السير واقفٌ عند دراجته النارية، يرى السيارات واقفةً أمام الْمجمّع التجاري تماماً، وأمام الْمقهى الْمقابل تماماً، وتَحت لافتات “مَمنوع الوقوف” تَماماً، ويواصل تأمُّلاته واتكاءه على دراجته، يواصل تدخين سيجارته، ولعبه بالْمسبحة بين أصابعه، وإذا رمى سائقٌ في وجهه ملاحظةَ أن يتحرّك فيعاقبَ الواقفين في الْمكان الْممنوع، أعادَ الْملاحظة بابتسامةٍ هازئة لا تفسيرَ لها سوى الإهمال.
مَن نلوم هنا، في التسبُّب بزحمة السير في شارع ضيِّقٍ مسموحٌ فيه السير باتجاهين، وعلى الرصيفين الْمتقابلين سياراتٌ متوقفة، فلا يبقى للسير إلاّ خط واحد ضيِّق يتناوب على الْمرور فيه سير في الاتّجاهين، عوضَ أن يكون في اتّجاه واحد ليس بعيداً عنه الشارع التالي الذي يُمكن أن يكون فيه الاتّجاه الآخر.
هذا نَموذجٌ واحدٌ فقط مما يعانيه الْمواطنون كل يوم، في واحد فقط من شوارع العاصمة، يتلاقى فيه فقط مُهمِلان: مواطنٌ يقف في حيث الوقوف ممنوع، وشرطيٌّ يراقب الْمشهد، في جيبِ دراجته دفترُ محاضرِ الضبط، لكنه، لسببٍ لا تَحزره الْمنجّمات، لا يتحرك للقيام بأبسط واجباته.