هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

94- ظاهرة الـ”أوباما” مانيا

3 شباط 2009 العدد 12817 السنة 37

في بعض اللغات اللاتينية الجذْر (منها الفرنسية والإنكليزية) لاحقةُ “مَانْيا” ومعناها “هَوَس شديد” و”مَيل مفرط” (يبلغ أحياناً حدّاً مَرَضياً). منها كلمة “ميتومانيا: الولع الشديد بالكذب” وكلمة “كليبتومانيا: الولع الشديد بالسرقة”، الخ…
غير أن هذه اللاحقة تَخطت “الحالة” لتلحق بالشخص، حين طالعتْنا الصحف الأميركية (وبعدها الأوروبية) بظاهرة الـ”أُوباما” مانيا، ناسبةً الى الرئيس الأميركي الشاب ما شاع من ألعابٍ ودمى تقلّده وتقلّد زوجته وابنتيه، وحتى كلبته، وتباع بمئات الآلاف (حتى في الصين)، وهي بادرةٌ كتبَت “الإيكونوميست” أنها “لَم تَحصل في أميركا منذ جون كيندي”، خصوصاً بعدَ الذي كان باراك أوباما يلاقيه من حماسة جماهيرية في التقاء مناصريه، ومن استقطاب لخطَبه كان أحياناً يسجّل وقوف الآلاف ساعات طويلةً في حيثما يَخطب، لشدَّة ما كانت له قدرة افتتان جعلت له في الجماهير فعل السحر (في شخصيته كـقائد) وأمّنت له في قلوب الشعب الأميركي جاذبية واسعة. ذلك أن الرئيس الأميركي الشابّ (الآتي الى البيت الأبيض من وسطٍ متواضع تَجاوزَه في تُؤَدة وأناة حتى أصبح السيناتور وبعدها الرئيس) شكّل في الولايات المتحدة ظاهرةً فريدةً وجديدةً ولافتة ذات عناصر متعددة، منها شبابُه وحيويّتُه وذكاؤُه البرّاق وسُرعة بديهته المتوهجة، وما لديه من “كاريزما” استقطبت حوله الشعب الأميركي في فئاته المختلفة، وجعلته يبلغ واشنطن على حصان مذهَّب دخل به الى البيت الأبيض مُتَوَّجاً بشعبية واسعة (لكن المعيار يبقى، وربما قاسياً، كيف ينتهي حُكْمُه بعد أربع سنوات).
نتجاوز الناحية الفردية والشخصية في هذه الظاهرة، الى ما يُمكن الحاكم أن يستقطب حوله من شعب وشعبية، كي يبقى على قمة نَجاحه مع مرور سنوات حُكمه، من دون أن “يقمع” شعبه بحضور يتّخذ أحياناً مظهر الأوتوقراطيا وأحياناً مظهر الثيوقراطيا فيراه شعبه من سلالة “الحكَّام الإلهيين” الذين ترسلهم السماء استثنائيين لحُكم ناس عاديين.
الكاريزما النادرة لدى الحاكم تبدأ قوية في أول عهده، ونادراً ما تُكمل حتى آخر العهد، باستثناء قلائل بينهم عرفوا كيف يُحافظون على الكاريزما، أو خطفهم الموت في قمة وهجهم.
هذه “التَّجْرَنَة” في التسويق والإعلام والإعلان، تساعد على جعل الحاكم يواصل نجاحه في قلوب الجماهير حتى يقبلوا منه كل قرار وكل خطوة. والمفاصل “التسويقية” منتشرة في العالم، ولا يقتصر تسويقها على أبناء البلاد وحسب، بل يَمتدّ الى السياح الذين يبتاعونَها لـ”الذكرى” أو للاحتفاظ بها دلالة على إيمانهم، هم كذلك، بذاك الحاكم أو ذلك القائد.
وكم رأينا ساعات يد تَحمل في مينائها صورة حاكم أو قائد، أو قَلادات تحمل اسمه أو صورته، أو عَلاّقات يضعها الناس في السيارة أو المكاتب أو حتى في البيوت، تَحمل شعار القائد أو صورته أو اسمه أو ما يرمز إليه.
يبقى المهم أن يكون هذا “التقديس” نابعاً من قناعة الناس لا أن يكونوا مدفوعين إليه بـ”إيعاز” من جماعات القائد أو أزلامه أو “مُخابراته” لأن هذا الـ”إيعاز” سرعان ما ينقلب على القائد فور عثرته أو خروجه من الحكم (مقتولاً أو بانقلاب أو بحادثة استثنائية).
القائد، يكون طالعاً من القاعدة الشعبية ويبقى في قلوبها، وإلاّ فهو ذو “جاذبية” مصطنَعة مدفوعة قسرية ترتدّ عليه سُخطاً وغضَباً ولعنات قاسية.
وما أشرس لعنات الناس على قائد يكتشفون زيفه.