هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

حين الحُكَّام أُمِّـــيُّـــون في حضارة الوطن
“نقطة على الحرف”- الحلقة 1594
“صوت كلّ لبنان” – الأَحد 13 تشرين الثاني 2022

ما زالت صورةُ لبنان تزدادُ تشويهًا على أَرضه وخارجَها، طالعةً من أَجواء تنتشر عنه في العالم بسبب ما يجري كما يجري وهو يجري في أَسوإِ حال. فالعالم يتلقى صُورَ البيتِ المشوَّهةَ من أَهل البيت: منهم المتناطحون حول رئيس الجهورية المقبل مواصفاتٍ وشروطًا واصطفافاتٍ وعنادًا ورخاءً انتخابيًّا كأَنْ ليس في البلاد مأْساةٌ على شفير المجاعة، ومنهم بما يَصدُر عنهم من مواقفَ في المحافل الدولية.

من هذه المواقف الدولية الأَخيرة: خطابُ رئيس وزراء الدولة اللبنانية قبل أَيام لدى مؤْتمر القمة العربية في الجزائر، جاء فيه بُكَاءٌ واستِبْكاءٌ في لهجة بُكَائيَّة بَكَّاءَة تستَثير شفقة الرؤَساء والملوك أَكثرَ مما تستحثُّهم على المبادرة.

قال رئيس وزراء الدولة اللبنانية: “لبنانُ الذي تعرفونه تَغَيَّر. المنارة المشرقة انطفأَت، المرفأُ الذي كان باب الشرق انفجر، المطار تنطفئ فيه الأَنوار لعدم وجود المحروقات… نحن في دولة تعاني اقتصاديًّا وحياتيًّا، ونحارب الأَوبئة بأَقل الإِمكانات”.

وقال رئيس وزراء الدولة اللبنانية: “بُنْيَتُنا التحتية مترهِّلة، مواردُنا قليلة، نعاني تضخُّمًا كبيرًا. تحوَّلْنا جسَدًا ضعيفًا يحتاج إِلى مقوِّيات. غالبية اللبنانيين تحت خط الفقر، طاقاتُنا الشابة تهاجر ويخسر الوطن خيرةَ أَبنائه”.

وقال رئيس وزراء الدولة اللبنانية: “لبنان مساحتُه صغيرة، ولا نزال نُعوِّل على مساعدة الإِخوة العرب للبنان، هذا الوطن الصغير الذي يمكن أَن يكون له دور كبير في خدمتكم، إِذا أُحيطَ بحُب كبير منكم. لا تتركوه وحيدًا”.

طبعًا أَفهم أَن المناسبة سياسية وتقتضي الحديث في الوضع السياسي. لكن رئيس وزراء الدولة اللبنانية قال ما يعرفه جميع القادة الحاضرين فلا ضرورة لهذا البُكَاء البَكَّاء يزيد من الاستجداء بعدما حكَّامُ دولةِ لبنانَ الفاسدون جعَلُونا بلادًا يتيمةً جالسةً تبكي على أَرصفة الدول تنتظر الإِعاشات والإِعانات ممنوحةً بداعي الشفَقة.

ما قاله رئيس وزراء الدولة اللبنانية لا يشبه لبنان الوطن المبدع الخلَّاق بل يشبه لبنان الدولة التي ظلَّ أَهل سلطتها المارقون يتناتشونها ويتناهشونها حتى تركُوها هيكلًا عظميًّا في صحراء الدول.

لبنان مساحته صغيرة؟ صحيح. لكنه ليس وطنًا صغيرًا. فاللبنانيون المبدعون في العالم جعلوا مساحة لبنان وسْع العالم ويَلفتُون اهتمام العالم كيف لبنانُ الوطنُ الحضاريُّ خلَّاقٌ بأَبنائه المميَّزين، مقيمين ومهاجرين، إِنما منكوب بسياسيي دولته ويوضاسياتهم وبيلاطسياتهم.

رئيس وزراء الدولة اللبنانية لم يُظهر وهْجَ حضارة لبنان وتراثه وثقافته وآثاره وجماله، وهذا ما كان أَجدى أَن يُسمعَه القادةَ العرب لا أَن يُسْمِعَهُم كليشيات عروبية من طراز: “جئتُ بكلمة نابعة من قلبٍ مخلص لعروبته، أُمثل لبنان منارة العروبة”.

القادةُ العرب، كي يَهمَّهم لبنان، يجب أَن يسمعوا كلامًا عن لبنان الوطن الحضاري الفَذّ فيَعرفوا أَنهم حيالَ وطنٍ غيرِ عاديٍّ تتحكَّم به دولة أَقلُّ من عادية يَسوسُها أُمِّــــيُّــــون في معرفة لبنان الحضارة.

وبسبب هؤُلاء الأُمِّــيِّــين كرَّرْتُ في كلمتي عبارة “رئيس وزراء الدولة اللبنانية” ولم أَقُلْ “حكومة لبنان الوطن”، لأَنَّ قليلين جدًّا مَن يستاهلون أَن يستحقُّوا الشرفَ التاريخي: أَن يكونوا حكماء في حكومة وطن لبنان الحضارة.

هـنـري زغـيـب

email@henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib