هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

شهر أَميركي كامل سنويًّا للتراث العربي
النهار العربي (9) – الثلاثاء 2020/12/01

هنري زغيب

سنة 2006 تشكَّلت في واشنطن مؤَسسة “عرب أَميركا” ببادرة من المحامي السوري الأَصل وُورن ديـڤـيد (هاجر جدُّه سليمان داود سلُّوم من دمشق). وهو من مواليد نورثـڤـيل (ولاية ميتشِغان) سنة 1952. انضمَّ إِلى “اللجنة العربية الأَميركية لمناهضة التمييز العنصري” (أَسسها السيناتور جيمس أَبو رزق في واشنطن سنة 1980). وتدرَّج في مسؤُولياتها حتى أَصبح رئيسَها في تموز (يوليو) سنة 2011، وكان فاعلًا فيها، ناشطًا عبر جميع الولايات، تساعده زوجته أَمال، في هذه “اللجنة” التي هي اليوم أَكبر تَجمُّع عربي أَميركي للحقوق المدنية.

سنة 2006 أَسس وُورن “عرب أَميركا”، منظمةً إِعلامية ثقافية هدفُها “نشْر الصورة الصحيحة للعرب الأَميركيين في الولايات المتحدة، وهم نحو أَربعة ملايين، وإِقامة جسْر بينهم يجمعهم في سياق اجتماعي ثقافي تربوي يرفدون به المجتمع الأَميركي”. وبين الرواد مِن أُصول عربية مَن باتوا أَعلامًا في الولايات المتحدة: رالف نادر، جورج ميتشِل، هِلِن توماس، دان توماس، نِك رحال، وسواهم.

الإِطلاق

في الخامس من نيسان (أَﭘـريل) 2017 أَطلق وُورن ديـڤـيد من العاصمة واشنطن “شهر التراث الوطني العربي الأَميركي”، ظاهرةً عمَّت الولايات المتحدة، وتحدَّد موعدُها في نيسان (أَﭘـريل) من كل عام.

يومها أَلقى المؤَسس كلمة ذات خطَّة عمل، جاء فيها: “بلغَ العرب الأَميركيون أَن يكونوا ضالعين متفاعلين عمليًّا بإِسهامهم في نهضة الولايات المتحدة، هذه النهضة التي بدأَت معهم قبل قرن كامل وما زالت مستمرَّة بجهودهم المخْلصة حيال هذه البلاد التي استضافتْهم واحتضنتْهم. وها بدأْنا نتلقَّى بيانات موافقة رسمية من مؤَسسات وبلديات وحتى من كبار مسؤُولين أَميركيين على إِعلان شهر التراث العربي”.

يومَها أَيضًا، للمشاركَة في الإِطلاق على المستوى الوطني العام، بادرَت “المؤَسسة العربية الأَميركية” (أَسَّسها جيمس زغبي سنة 1985) فأَوفدَت نائبةَ رئيسها هِلِن حطَب سمحان (حفيدة الصحافي اللبناني الأَميركي سلُّوم مكرزل). وأَشارت في كلمتها إِلى “بلوغ العرب الأَميركيين درجة عالية من اعتراف المجتمع الأَميركي بهم وبإِنجازاتهم وإِسهامهم في نهضة المدُن والولايات التي سكنوا فيها واندمجوا في نسيجها الاجتماعي والمهني. وبعدما كان للتراث العربي الأَميركي يومٌ كامل (منذ 1987)، بات لهم بدءًا من اليوم شهرٌ كامل لإِحياء هذا التراث”.

الاعتراف الرسمي

راح وُورن ديـڤـيد، منذئذٍ، يعمل على استصدار “إِعلان” رسمي من المدُن الأَميركية الكبرى حتى بلغَت اليوم 105 مدُن في ولايات مختلفة.

وجاء الإِعلان الرسمي من الكونغرس الأَميركي، يوم وقف فيه ممثل ولاية نيويورك إِيليُوت إِنجل وأَلقى كلمة جاء فيها: “أُعلن في هذه الكلمة الاعتراف الرسمي باعتبار نيسان (أَﭘـريل) “شهر التراث الوطني العربي الأَميركي”، تقديرًا تلك الإِنجازات المذهلة التي حقَّقَتها الجوالي العربية الأَميركية في أَميركا.

منذ قرن كامل، والعرب الأَميركيون يُسهمون فاعلين في كل قطاع من المجتمع الأَميركي: الطب، القانون، الأَعمال العامة، التربية، التكنولوجيا، الحكومة، الجيش، الثقافة، … ومع وصولهم إِلى أَميركا من بلدانهم في الشرق، أَخذ رجالهم والنساء يشاركون مجتمعَنا بتراثهم الغني وتقاليدهم المنوَّعة مع جيرانهم وأَصدقائهم، ويَظهرون مثالًا للمواطنين الصالحين والموظفين الناشطين. حملوا معهم من أُسَرهم العربية قيَمَهم العالية، وأَخلاقياتهم المهنية، وحُبَّهم التربيةَ والتعليم، وتنوُّعهم في المعتقدات الدينية والطقوس الإِيمانية، ما أَضاف معالم بيِّنة على ديمقراطيتنا الفذة. هكذا أَغنَوا مجتمعنا بإِسهامهم في تغذية الروح الأَميركية التي تجعل من بلادنا أُمةً حرة ناهضة.

ويؤْسِف أَن تنال من تاريخ العرب في الولايات المتحدة شوائبُ مجحفة بين عنف ظالمٍ وخطاب معادٍ إِياهم. من هنا يجب العمل على محو صورتهم النمطية هذه، بإِبراز تراثهم والتوعية عليه، وبالتعاوُن معًا لبناء مجتمع مسالم متنوِّع يَشعر فيه كل فرد بمعاملة متعادلة وسَوية وآمنة.

إِن مساهمات العرب الأَميركيين بيننا، بتراثهم الثقافي الغني، ساعدَتْنا على بناء أُمة أَفضل وأَقوى، تُعامِل كلَّ فرد بالعدالة المتساوية. ولذا أُعلن الموافقة على جعل نيسان (أَﭘـريل) شهر التراث الوطني العربي الأَميركي”.

جبران سبَقهم جميعًا

هذا الإِعلان “الرسمي” الأَميركي، معطوفًا على نشاط جمعيات عربية أَميركية عدة (منها “اللجنة العربية الأَميركية لمناهضة التمييز العنصري”، و”المؤَسسة العربية الأَميركية”، و”منظمة عرب أَميركا”،…) إِبرازًا اعترافَ أَميركا رسميًّا بالجوالي العربية، وجُلُّها من اللبنانيين والسوريين (في مطلع مراحل الهجرة كانوا جميعًا يسَمَّون “سوريين”)، كان جبران – قبل نحو قرن كامل – اختصر حضورَهم الساطع في مقطوعة “إِلى الأَميركيين الشباب من أُصول سورية” صدرَت على الصفحتين 4 و5 في العدد الأَول (تموز – يوليو 1926) من مجلة سلُّوم مكرزل “العالم السوري”. وهنا ترجمتُها عن الإِنكليزية:

“أُؤْمِنُ بكم، وأُؤْمِنُ بِقَدَرِكُم.

أُؤْمِنُ بإِسهاماتكُم في هذه الحضارة الجديدة.

أُؤْمِنُ بأَنكُم ورِثْتُم عن أَسلافكُم حُلمًا قديمًا، أُغنيةً، نُبُوءَةً، وجئْتُم تُلْقونها باعتزازٍ بادرةَ امتنانٍ في حضن أَميركا.

أُؤْمِنُ بإِمكان واحدِكُم مخاطبةَ مؤَسسي هذه الأُمة: “ها أَنذا شجرةٌ ناشئَةٌ فتيَّةٌ، جُذورُها مشتولةٌ في تلال لبنان، انزرعَت هنا وسوف تُثْمِر”.

أُؤْمِنُ بأَن يقولَ واحدكُم للمُكرَّس أَبرَهام لنكولْن: “حين تكلَّمْتَ كان يلْمِس شفتَيكَ يسوعُ الناصريّ، وحين كتبتَ كان يَهدي يَدَكَ، وسوف أَتَّبِعُ كلَّ ما قُلتَه وكتَبْتَه”.

أُؤْمِنُ بأَنْ يقولَ واحدكُم لإِمِرسُن وَوِتْـمَن وجيمس: “في عروقي يَسري دمُ أَعرق الشعراء والحكماء، ورغبتي أَن أَجيْءَ فأَتعلَّمَ منكُم، إِنَّـما لن آتِــي ويدايَ فارغتان”.

أُؤْمِنُ بأَنْ مثلما آباؤُكُم جاؤُوا هذه الأَرضَ وحقَّقوا الغنى، أَنتُم وُلِدتُم هنا لتحقِّقوا الغنى بذكائكم وعملكم.

أُؤْمِنُ بِــنِــيَّــتِكُم أَن تكونوا مواطنين صالحين.

ومَن تُرى يكون “مواطنًا صالحًا”؟

إِنه:

مَن يعي حقوقَه إِنما لا يفْرضها على السوى قبل اعترافه بحقوق هذا السوى.

مَن يكونُ حرًّا بكلمته وعمله، إِنَّما واعيًا ارتباطَ حريته بِـحُرِّيَّة السوى.

مَن يُطلِعُ بِيَديه الجميلَ المفيدَ، ويقدِّر بإِيمانه ما أَطْلَع السوى من جميلٍ مفيد.

مَن يجتني من عمله وحده، ويصرفُ أَقلَّ مما يَـجتني، فلا يتَّكل أَولادُه بعدَه على إِعالة الدولة.

مَن يقف أَمام أَبراج نيويورك وواشنطن وشيكاغو وسان فرنسيسكو، مخاطبًا إِيَّاها في صمته: “أَنا سليلُ شعبٍ بنى دمشق وبيبلوس وصور وصيدا وأَنطاكية، وها أَنا هنا عازمٌ على أَن أَبني معكُم”.

مَن يفخَرُ بأَنه أَميركي، إِنما يفخَرُ أَيضًا بأَنَّ أَهلَه جاؤُوا من أَرضٍ بسَط اللهُ عليها يدَه النُعْمى ومنها نَشَرَ رسُلَه.

هو هذا إِيماني بكُم، أَيها الأَميركيون الشباب من أُصولٍ سورية”.

كلام الصور

  • شعار مؤَسسة “عرب أَميركا”
  • المؤَسس وُورن ديـڤـيد في إِطلاق “شهر التراث العربي الأَميركي”
  • الإِعلان الرسمي الأَميركي بــ”شهر التراث العربي الأَميركي”
  • أَربعون عربيًّا أَميركيًّا متفوِّقًا “دون الأَربعين”