هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1241
الحقوق المهدُورة
الأَحد 31 كانون الثاني 2016

          أَخذَ عليَّ بعضُ الأَصدقاء، وربما بعضُ المستمعين أَيضًا، أَنني في حلقة الأَحَد الماضي ذكرْتُ مقطعًا من قصيدة الأَخوين رحباني “حَــبُّــو بَعضُن تَرَكُو بَعضُن” ولم أَذكُـر أَنها أُغنيةٌ تؤدِّيها فيروز.

          أَوّلًا: لا يُـزايِدَنَّ عليَّ أَحدٌ في رأْيي بصوت فيروز، وأَنا كتبْتُ عنه ودائمًا أَكتُب قَـناعتي بأَنه عندي الواحدُ الأَحَدُ والباقي أَجيالًا بعدُ قبل أَن يَــنعَم لبنان بشبـيهٍ له في لُـؤْلُـؤِيّـته السعيدة.

          ثانيًا: ليس في الذاكرة الشعبية الجَماعية مَن يَجهل أَنّ هذه القصيدةَ الرائجة غـنَّـتْها فيروز.

          ثالثًا: كنتُ في تلك الحلقة أَستشهدُ بالقصيدة لا بالأُغنية، لذا ذكَرتُ مَن كَتَب الشِعر ومضيتُ في باقي النص إِلى موضوعٍ ذي صِلَة. ولو انني كنتُ في سياقِ الحديث عن العملِ الفني لكُنتُ حُكْمًا ذكرتُ الصوت الذي غنّى، وزياد رحباني الذي لَـحَّن.

          هذا الأَمر يأْخذُني إِلى موضوعٍ جوهريّ: الحقوقُ الـمهدورةُ أَينما كان للمؤلّفين والملحّنين. وبالـ”أَينما كان” أَقصُد وسائلَ الإِعلام، مرئِــيَّـها والمسموع، والمواقعَ الإِلكترونية، لأَن هذه وتلك تَبُثُّ وتُذيع وتَنشُر، مأْخوذةً بالصوتِ غناءً، ونادرًا جدًّا ما تَذكُر مَن كتَب النص ومَن لـحَّنه.

          صحيحٌ أَنّ للصوت المغنّي دورًا في نشْر النص واللحن، لكنّ هذا لا يعني أَن يؤْخَذ الـمُـتَلَقُّون والـمَعنيُّون بالصوت المغنّي وحده دون صاحبَي الكلمة واللحن.

          وصحيحٌ أَن قصيدة “يا جارة الوادي” لو لم يلحِّـنْها عبدالوهاب ويُـغَــنِّها، لكانت بقيَتْ واحدةً من قصائد أَحمد شوقي النائمةِ بين صفحات ديوانه “الشوقيات”، لا يَـبلُغُها سوى عشَرات القرّاء والباحثين والدارسين، وهم قلَّةٌ ضئيلة أَمام ملايين الذين تعرَّفوا إِليها بصوت محمد عبدالوهاب ولاحقًا بصوت فيروز ونور الهدى وأُخريات. لكنّ هؤُلاء الملايين ما كانوا ليَـعْرفوا الأُغنية لولا الشاعر أَحمد شوقي صاحبُ القصيدة التي هي ركيزةُ لَـحنها الـمُـهَـــيِّـــئِــها للصوت المغنّي.

          وهنا الحقوقُ المهدورةُ، معنويًّا وحتى مادِّيًّا، للمؤَلّفين والملحّنين، حين يَرَون على الشاشات عناوينَ قصائدِهم أَو نصوصَها من دون ذكْرٍ لهم، بل يتوجَّه الوهجُ كلُّه إِلى الصوت المغنّي الذي لا فضلَ إِبداعيًّا له سوى ما منَحَه الله من أَوتارٍ صوتيةٍ في حلْقِه.

          الأَساسُ إِذًا: للإِبداع، أَي للكلمة ثم اللحن، وليس الصوتُ سوى المؤَدِّي أَيًّا تَكُن قيمةُ صاحبِ الصوت أَو صاحبتِه، تمامًا كما يَذكُر التاريخُ اليوم نصوصَ مسرحيات شكسـﭙـير وبرنادشو وراسين وموليـير، وأُوﭘـِّـرات باخ وموزار وبيتهوﭬــن، ونادرًا جدًا ما يَذكُر التاريخ مَن أَدّى أَدوار تلك المسرحيات أَو مَن غنّى تلك الأُوﭘـِّـرات.

          وكما في الغرب، إِعلامًا ومواقعَ إِلكترونية، لا يُــنشَر العملُ الغنائي بِـمُؤَدِّيه فقط بل بكاتِبِه ومُلَحِّنِه، هكذا على المسؤولين عندنا عن الإِعلام والمواقع الإِلكترونية – عند بَثِّهم أَو نشْرِهم أَيَّ أُغنية- أَن يَـذْكروا المؤَلّف والملحِّن اللذَين لولاهما لَـمَا كانت الأُغنية، ولَـمَا كانت أَيةُ قيمةٍ لأَوتار حضرة الصوت الذي يُـؤَدِّيها.