هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

نقطة على الحرف- الحلقة 1186
الأَحقيَّة في العمل
الأَربعاء 14 كانون الثاني 2015

 

          قد لا تَصُحُّ مقولةُ الإِمام عليّ: “الفَقر في الوطن غُربة، والغنى في الغربة وطن”، كما تصُحُّ على شباب لبنان المنتظرين صُفوفاً أَمام قنصليةٍ للحصول على تأْشيرة دخولٍ إِلى أَوطان الآخرين، أَو الواقفين صُفوفاً في المطار للسفَر في طائرةٍ تحملهم إِلى بلدانٍ يَجِدون فيها مأْمناً وتأْميناً وأَمناً وأَماناً.

          وعبثاً نُقْنعُ شبابَنا بِـحِسّ الانتماء، إِن لم يكن الانتماءُ إِلى وطنهم ضمانةً لـمستقبلهم وأَمانةً للعيش الكريم. فالانتماء إِلى الوطن إِيمانٌ بعطاياه، وأَيَّ عطايا يرجو شبابًنا إِن لم يَجِدوا على أَرضهم فرصةَ عملٍ يؤمِّنون بها غدَهم المرصودَ اليوم على خطر المجهول؟ هكذا تتساوى لديهم، وإِنهم على حَق، فرصةُ العمل وعاطفةُ الانتماء.

          طويلاً غنَّينا وتغَـنَّينا: “للضيف مفتوحَه منازلْنا”، وطويلاً آمَنّا بالأُخُوَّة ورحَّــبْنا باللاجئين والنازحين والهاربين والمطرودين من بلدانهم والمغضوبِ عليهم من أَنظمتهم، واستقبلْناهم بالــ”أَهلاً وسهلاً”، حتى باتت الـ”أَهلاً” خروجَ أَهل البيت من البيت، وباتت الـ”سَهلاً” سَهلَ أَرضٍ أَصبح الوافدون عليها اليوم نحو 40% من سكانها الأَصليين.

          لا نريد أَن نَشمت. نعرف صعوبة التشرُّد ودِفْء اللجوء. ولكنّ الذي ينقص شبابنا اليوم: فرص العمل التي يرونها هاربةً من أَمامهم، ولا تطبيقَ صارماً لقانونٍ يُعطي أَولوية الأَحَقِّية لأَهل البيت، ثم لزوار البيت.

          ليست النصوص ما ينقصنا، بل تطبيق النصوص بعيداً عن العواطف الخاصة والمصالح الشخصية.

          فواضحٌ جداً عندنا المرسوم 17561 الصادر في 18 أَيلول 1964 بتوقيع رئيس الجمهورية فؤاد شهاب حول “تنظيم عمل الأَجانب”، وَرَدَ في مقدمته حرفياً: “على كل أَجنبيٍّ يرغب في الدخول إِلى لبنان لتَعاطي مهنةٍ أَو عمل، أَن يحصل مُسْبَقاً على موافقة وزارة العمل قبل مجيئه إِلى لبنان، على أَلاَّ تشمل الموافقة أَحداً من أُسرته، وعلى أَن يكون اختصاصياً لاّ أَو خبيراً لا يمكن تأْمينُ عمله بواسطة لبناني”.

          وواضحٌ جداً القرار 197/1 الصادر في 11 كانون الأَول 2014 بتوقيع وزير العمل سجعان قزي حول “المهَن الواجب حصرُها باللبنانيين فقط”، وفيه تَشَدُّدٌ على الالتزام ببنود المرسوم الذي وقَّعه الرئيس فؤاد شهاب قبل 50 سنة مع تعديلاتٍ لا تُلغي جوهر منطقِه الحافظِ أَولوية العمل للُّبنانيين.

          مع ذلك لا يزال أَربابُ العمل عندنا يَصْرفون موظَّفيهم وعُمَّالهم وأُجَراءهم مُسْتَبْدِلينَـهُم بأَجانب ذوي رواتِبَ أَقلّ، ما يفتح شهيةَ كلّ أَجنبي أَن يَحلُم بفرصةِ عملٍ تنفَتح له ولو على حسابِ لبنانـيٍّ حَمَل حقيبتَه وهرع إِلى المطار باحثاً عن بلدٍ يَحميه فيه قانونٌ لا يرمي به إِلى الشارع. والحاصل: يتخرَّج شبابُنا ولا ارتباطَ بين سوق العمل واختصاصاتهم، فيبحثون عن أَسواق عملٍ خارجَ الوطن، وتَغرَقُ سوقُ العمل عندنا بِــيَدٍ عاملةٍ من دون اختصاصات، تَرضى بأُجور متدَنّية تُغري ربَّ العمل ولا تُلْــزِمُه بِواجبات، فتَزداد البطالةُ في صفوف شبابنا، وهي مشكلة ما زالت تَتَفاقم منذ سنواتٍ بل منذ عُقود، حتى وصلْنا إِلى ما نحنُ فيه وعَلَيه.

          وبِــئْــسَ نظامٍ يَــبحثُ عن مَـخْرَجٍ لِـمُشكلةٍ لم يسهَرْ على تَفاديها حين أَطلّت برأْسها، حتى إِذا دخلَت البيت احتلَّت أَركانَه ولو على حساب خُروج أَهل البيت!