هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

توقيع كتاب “ربيع الصيف الهندي”- النادي الثقافي العربي- الحمراء (27 شباط 2009)

rabi3 el-seif el-hindi_hamra

كلمة الدكتور غازي قهوجي في تقديم هنري زغيب

خلال لقاء “الأبيات تخرج من قصيدتها” – نماذج أولى في إلكترونية القصيدة العربية

(النادي الثقافي العربي- 27 شباط 2009)

أيها الأصدقاء،

خلالَ نصف قرن ويزيد، صَمَد “النادي الثقافي العربي” أمام شتّى التبدّلات التي عصفَت ومرَّت بِها البلاد، فبَقيَ واستمرّ رائداً وحدوياً، علَماً وعلامةً فارقة على جبين بيروت، حاضنة الجميع على السواء.

***

صديقَنا العزيز الأستاذ هنري،

دَرَجت العادة أن يكون ما يُسمّى اصطلاحاً “التعريف بالأشخاص”، هو لازمة ما قبل فاتحة كلامهم! وأظنُّ- مع يقيني بأنَّ بعض الظن إثْم- أن التعريف بِمن هو معروف وما هو معلوم، هو بالنتيجة كمن يضيء شمعةً في وضح النهار أثناء هبوب الريح!

لذا، فإن التعريف هو فقط في “المجهول”. أما كلمتي القصيرة هذه، فهي “تقديم” وليست تعريفاً. بِمعنى آخر، هي تحية وشهادة وموقف.

***

منذ زمنٍ بعيد التقيتُ والشاعر هنري زغيب حول مفصل فني لبناني كبير، هو عالَم الرحابنة، حين كنتُ معهم في الفريق، وكان هو من أقرب الناس إليهم، ومن أوفى وأوثق مستشاريهم.

وكلامي اليوم عنه يعود لِمعرفة ومواكبة ومتابعة.

هنري زغيب، هو الْمُحِبّ المتعدِّد المثقّف المغاير، والساعي الْمُزمن المتجاوز، أيام ازدهار الصمت، كلَّ مَحطّات السَكْت، قاصداً صفو المنابع وبكر المياه التي شكّلت، مكيناً، نقاءَ الروح الرافعة عالياً جوهرَ وُجود لبنان كقيمةٍ حضارية، وجَّهَت الهائمين إلى مكامن ومنافذ كل ما يوحّد ويُثري في آن معاً، وأمَّت المتنورين وهُم يتخطّون السائد والدارج والمألوف، مُسْقِطةً عنها جميعَ أدوات التشبيه والمقارنة، بعد أن أرست ركائز حتمية التواصل ومصالَحة التاريخ، لترقى من خلالِها المدارك المعرفية، ويَرقّ الشعور، ويعلو حال الحوار، ويسمو ويسطع مقامُ الثقة، وينضج ويُثمر حسُّ الانتماء.

الصديق هنري زغيب صاحبُ حضرة وحضور، ضجَّت على الدوام مطارحُه بِعَبق الشعر والنثر، في المقروء والمرئيّ والمسموع، وكان له في كل منها على القلوب سلطان.

إنه المؤسس، الناشط، الفاعل، الحاضن، الْمُنظّم على امتداد مساحة الوطن ندواتٍ ولقاءات ومؤتمرات وتظاهرات ثقافية بكل تَجلّياتِها ومواضيعها في التاريخ والفنون والعلوم والآداب.

إنه الملاّح اللبناني الْمُمْسِكُ بِحرفٍ وشراعٍ، لَم يهدأْ على بَـرٍّ، ولا استكان على شاطئ أو ميناء.

إنه الْمُمْعِن برؤاه في الذّهاب إلى الآخَر في الوطن وفي المهاجر.

إنه الشاعر الذي حوّل شعره إلى سَفَر، فيأتينا كلّ مرة من جميع الجهات ودفعةً واحدة، ليؤكِّد صدقَ الرؤيا وألق بَهجة المفاجأة وغبطة الإصغاء، بإضاءته الساطعة على المنسيّ من الأمور، وعلى المتروك من طيب المجد الغابر، وهو العالي، بل الْمُتعالي على بَهرجة كل من “تَطَاوَسَ” وانتمى إلى بيوتات “بو سياسة”!

هنري زغيب: هو المتنوِّع الذي يضاعفُ لك حبَّك لِما تعرف، ويهديكَ بسخاء الشغف لتقرأ الجديد، حتّى ليكاد يكون من القلائل الندرة الذين يصطادون الرؤى ليُطْلِقوها.

لقد زرع الصديق هنري في شِعره، ولا يزال، العديدَ من الأشجار، لا ليُنشِئَ غابةً حيث كَثُرت الأدغال، بل ليُعلي شجَراً ويؤسِّس ملفىً للعصافير، وملْعباً للرفيف والحب والتغريد، وليَستعيدَ فردوساً أضاعَه أهلُهُ زمناً بين تيه الخمر وبؤس الأمر.

أيها الصديق هنري: الكلامُ عنكَ وفيكَ يَحتاج إلى دراسةٍ تكون أعمقَ من كل تعريفٍ ومن كل تقديم.

إنّها تَحيةٌ شرّفني “النادي الثقافي العربي” بإلقائها عليك.

فشكراً لِحضورك. أنت مِمَّن يَسْكُنون القلبَ والعينَ والذاكرة.