هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

1106: زهرةُ عرفان

الحلقة 1106: زهرةُ عرفان
(الأَربعاء 3 تموز 2013)

يومها أَمسكوا بِيُسراهم علَمَ لبنان، ورفعوا يُمناهم قَسَماً بالله العظيم أَن يحافظوا على شرف لبنان ويقوموا بالدفاع عنه والذود عن كرامته وأَمان شعبه، ثم قبَّلوا العلَم واستداروا يقتبلون مهامّهم الشريفة المقدَّسة لتنفيذ قَسَمِهم.
وكان في ذاك الاقتبالِ يومَها عهدٌ يساوي حياتهم أَن يلبُّوا نداء الواجب وأَوامر قيادتهم لصدِّ كلّ اعتداءٍ من عَدُوٍّ يذْأَبُ في التربُّص بلبنان وأَمْنه وشعبه، فتكون للجيش مواقفُ ومواقعُ على حدود لبنان أَيام الخطرُ داهمٌ أَو خليةٌ نائمةٌ بعينٍ واحدة.
ولطالما لَبَّى الجيشُ واجبَه داخل الحدود يلجُم مَن جعلوا لبنان في خطر الداخل، فانبرى رائعَ البأْس يَصُدُّ فلول المسلَّحين ويقضي على انتفاضاتهم الخيانية، عِبرةً لـمن خال واهماً أَنه لا يريد أَن يعتبر.
بشجاعة الإيمان نشَب جنودُنا على النار، مستفرسين لغدْر مسلَّحين برفاقهم في غفلةٍ مجرمة. هجَمُوا وخاطروا وتَقَدَّموا وتوغَّلوا، وكانت الحصيلةُ ارتفاعَ النصر وسقوطَ أَحباب شهداء على طريق النصر.
شبابٌ في زهوة الربيع انقصف ربيعُهم: ضباطاً وأَفراداً كانوا يعودون إِلى أَهاليهم وقُراهم مظَفَّرين بالأَرزة على جبينهم فعادوا إِلى أَهاليهم مظَفَّرين بالعلَم على نعوشهم. أَقسموا يمين الولاء كي لا يَنقسِم لبنان فاقتسَموا شرف الشهادة ليَحفظوا استقلالَ وطنهم ووحدتَه المتماسكة أَرضاً ودولةً ومصيرَ شعبٍ وبلاد.
سقَطوا في معاركَ داخليةٍ عبثيةٍ، لكنها مفصليةٌ في قطع أَعناق الذين تطاولت أَعناقهم على مصير البلاد، يَنقُلون نارهم المجرمة من منطقةٍ لبنانية إِلى أُخرى يَبُثُّون بين الأَهالي سمومهم المستورَدَة كي يتفسَّخَ الوطن فيسْهُلَ وقوعُه في الفوضى والفراغ، حتى جاء الجيشُ يَخلَع تلك الأَقنعة ويَفضحُ يوضاسيي الداخل الذين ظنُّوا أَنهم يستطيعون أَن يُؤَلِّبوا شعبَ لبنان ضدّ جيش لبنان.
قبل أَيامٍ نعَت قيادة الجيش كوكبةَ ضباطٍ وأَفرادٍ استُشهدوا أَثناء قيامهم بمهمة حفظ الأَمن والاستقرار في منطقة صيدا. وكان أُولئك الشباب، وهم يَلْفُظون نظرتهم الأَخيرة، يتمنَّون، كما قيادتُهم، أَن يكونوا استُشهدوا بمهمة الدِّفاع عن أَرضهم المقدَّسة ضدّ العدو الإِسرائيليّ لا ضدّ مسلَّحين خوَنةٍ “تَأَسْرَلُوا” أَكثر من الإِسرائيليين، وحملوا السلاح ضدّ أَبناء لبنان وجيش لبنان.
وحين حسَم الجيشُ بـحزمٍ وأَعاد الأَمن والأَمان، راح كثيرون ينادون به مُـخَلِّصاً، وينتمون إِليه ملاذاً، ويطالبون به ضامناً، بعدما فَهِموا أَنّ السلطة السياسية هي التي كانت تَلْجُم الجيش عن مبادرةٍ، حين أُعْطِيَها الجيشُ شَبَّ بطولةً بلا حساب، وحاسَبَ كُلَّ مَن لم يكن يَحسَب له حساباً، واكتشفَ أَنّ الجيش هو الحسابُ الوحيدُ الرابحُ في مصير الوطن. فَلْتكن السلطةُ له لأَنه موحَّدُ القرار والهدف، ولْتَنْحَسِرْ عنه سُلطةٌ سياسيةٌ متلاطمةٌ لها حساباتُها الخاصةُ فلم تكن تعطي الجيش أَن يبادر إِلى الحساب.
بهذا الحساب الأَشرف نَنحني عميقاً، ونضَعُ زهرةَ عرفانٍ على ضَريح كلّ شهيد من جيشنا أَغمض عينَيه على قَسَمه المقدَّس يومَ وقفَ مُـمْسكاً بِيُسراهُ العلَم، ورافعاً يُـمناه قسَماً بالله العظيم أَن يُحافظَ على شرف لبنان.