هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

610: ورود بيضاء على قبر عاصي

الحلقة 610: ورود بيضاء على قبر عاصي
(الأحد 24 حزيران 2007)

“حبيبي قال انطريني… بأول الصيف… لَما بْيِجي الصيف… وْ عَ الحقْلِه اسبَقيني”.
وجاء أولُ الصيف، الخميس الماضي، الحادي والعشرين من حزيران، وجاء عيدُ الأب، وجاء عيدُ الموسيقى، وجاءت ذكرى عاصي الحادية والعشرون.
كثيرين تنادَينا إلى إحياء الذكرى، وقليلين كنا داخل تلك الكنيسة الوديعة في أنطلياس، نصلّي في ذكرى عاصي.
قليلين كنا. “وينُن؟ وين اصواتُن؟ وين وجوهُن؟ وينن”؟ صار فيه وادي بينو وبينُن.
كانت شقيقتاه: سلوى، المتّكئةُ على شيخوختها، والهام، المتّكئة على ذكرى وذكريات من أخيها البكر الذي رحل باكراً كما جاء باكراً على القيام بأوَد العائلة بعد غياب أبو عاصي. وكان الياس، الذي طالما ردّد أنه عرف في عاصي ومنصور أبوين ربّياه بعد غياب أبو عاصي، ولم يُشعراه بغصَّة اليُتْم المبْكر.
وكانت هدى، رفيقةُ الأعمال وزنبقتُها الحلوة، وكان أنطوان كرباج، رفيق الطريق ونجمها المتواصل.
وكانت باقةُ أصدقاءَ قليلين جاؤوا يتذكّرون عاصي في غيابه الأقوى من كل حضور.
ومع أن الخبر نشرته الصحف، وأعلنته الإذاعات، وبثّته الشاشات، كنا حفنةً ضئيلة في كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل، تلك العشية الخميسيّة في أنطلياس.
بعد القداس انتقلنا، قليلين أقلّ، إلى ضريح عاصي. كان منصور سَبَقَنا ووقف إلى باب الضريح ينادي بصمته عاصي. وبالصمت نفسه وضعْنا وروداً بيضاء على قبر عاصي، فتلوّن بابُه الأسود بِمحبَّة المخْلِصين.
وفيما كنا نعود أدراجنا على درج الضريح، كان صوته يضجُّ فينا: “… وازرعيُن بالوعر، أرز وسنديان، ملوَى الزمان، وقوليلهُن لبنان: بعد الله يِعبَدو لبنان”. غير أنّ من يعبدون لبنان يا عاصي قليلون، فأتباع لبنان الوطن يتضاءلون أمام أتباع أصنام الوطن! أزلام يا عاصي، أزلام لأصنام. وأنت ومنصور قلتما في “ناس من ورق”: “إنت اللي بتحملُّو الكرسي وهوي اللي بيقْعُد ع الكرسي”.
وها هم يا عاصي، من أجل أن يظلُّوا على الكرسي، أو يعودوا إلى الكرسي، تُعميهم شهوة الكرسي فيُحرقون روما ليُشعلوا سيجارة، ويأكلون الحلوى ولم يعد للشعب سوى البسكوت.
ولكن، يا عاصي، وحقِّ هذه الورود البيضاء على باب ضريحك الأسود، سيولد أولاد لمدلج كل يوم، وسيموت على “البوابه” كثيرون كلّ يوم، وقوى الشر كلُّها، الخارجيةُ منها واليوضاسية في الداخل، لن تستطيع أن تتجاوز “البوابه”، ولا أن تدنِّس شبراً واحداً من قدسية أرض… جبال الصوان.