هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

83: ذاكرة لبنان العقارية بقلم الكوبيا

الحلقة 83: ذاكرة لبنان العقارية بقلم الكوبيا
(الأربعاء 9 حزيران 2004)

بعد “نقطه عَ الْحرف” أمس الأول الاثنين، حول شكر السلطنة العثمانية على إجرائها عام 1520 مسحاً إحصائياً مفصَّلاً للسكان في لبنان، وإجراء الانتداب الفرنسي إحصاءً آخرَ عام 1932 هو الأخيرُ الْما زلنا نعتمده حتى اليوم لأنّ الدولة اللبنانية لم تقُم بعدُ بإجراء إحصاء لسكان لبنان اليوم، اتّصل بي صديق خبير يلفتني الى فضيحة أخرى ترتكبها الدولة وما زالت غافلةً عنها: إنها طريقة التدوين والتسجيل في الدوائر العقارية وفي دوائر الأحوال الشخصية الْمعروفة بدوائر سجلاَّت النفوس.
فهل يُعقل، والدولة اليوم مُمَكننةٌ أو هي في طريقها الى الْمكننة في فواتير الهاتف والكهرباء والْمياه، أن تبقى الدوائر العقارية ودوائر سجلات النفوس وإفادات إخراج القيد وإفادات السجلّ العدلي، مكتوبة بقلم الكوبيا (وهو قلم رصاص عتيق كان يستعمله أجدادنا لأنه كان جديداً في عصرهم وانقرض اليوم إلاّ من بين أيدي موظفي الدوائر العقارية وسجلات النفوس)؟
وهل يعقل أنّ الْموظفين في هذه الدوائر، عقاريِّها والأحوال الشخصية، ما زالوا يدوّنون الْمعلومات في دفاترَ كبيرةٍ ذات صفحات طويلة عريضة، أطرافها ممزقة أو مُنَتْوَشة أو مُقَرْقَطَة، وصدرُها ممحوّ بعضه، والبعض الآخر مغطّى بزيت الزعتر من مناقيش الترويقة يتناولها الْموظفون فوق دفاتر تفوح منها رائحة النتن من سجائر الْموظفين يدخنونها فوق الدفاتر ويتناثر رمادها على صفحات الدفتر لأن الْموظف لا يَحلو له أن يقوم بواجباته الْمهنية بضمير حي إلا والسيجارة في فمه، وبين أصابعه قلم كوبيا أنتنَ هو الآخر من النيكوتين على أصابع الْموظف؟
أمعقول كلُّ هذا، في وطنٍ يعمل على تَحديث كل شيء فيه، وما زالت قيود العقارات فيه وقيود السكان وإفادات السجل العدلي وإفادات إخراج القيد تَحت رحمة قلم كوبيا عتيق بين يدي موظّف هرِمٍ سيِّئ الْخَط، يُمارس ضجره اليومي بانتظار حلول سن التقاعد؟
إنّها صفحة أخرى من هيبة الدولة التي نفتقدها. وهي صورة يتداولها الْمواطنون ليتندّروا على تَخَلُّف دوائر الدولة التي مكننت لوائح الشطب لضرورات سياسييها الانتخابية، فيما مرافقها الْحساسة، كالدوائر العقارية، ودوائر قيد سجلات النفوس، ما زالت تنوء خلف نظارات سميكةٍ يضعها على أرنبة أنفه موظّف ختيار يدوّن مصير الناس على دفتر تشبّع من زيت منقوشة الزعتر، ويستقبل قيود الْمواطنين، لا على شاشة الكومبيوتر، بل مُدوَّنةً بالْمرحوم… قلم الكوبيا.