هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

536: لا يا “مسز سايسون”: لسنا “دياسبورا”

لا يا “مسز سايسون”: لسنا “دياسبورا”
السبت 1 آذار 2008
– 536 –
في أول حديث تلفزيوني للقائمة بأعمال السفارة الأميركية في لبنان السيدة ميشال سايسون، تحدثت بإعجاب عن اللبنانيين “في لبنان وفي الدياسبورا” (كذا) معتبرةً بذلك أنها تشير الى اللبنانيين المقيمين والمنتشرين في كل العالم.
ومع تقديرنا لهذا الكلام، وتقديرنا أن “الستّ ميشال” لا تعرف بالضبط معنى كلمة “دياسبورا”، أو أنها تعرف وتعمّدت قولها، أو أنها تعرف ولا تريد أن تعرِف بأنها تعرف، فلا بدّ من التوضيح الحازم الصارم بأن كلمة “دياسبورا” (التي يتشدّق بها كثيرون، حتى بعض الجهلة في لبنان، كتابةً وخطابةً متباهين بها للإشارة الى انتشار لبنان في العالم) هي كلمةٌ مغلوطةٌ لوصف لبنان واللبنانيين في الخارج، لأن الـ”دياسبورا” تعني “الذين في الشَتات” (أي الذين بلا وطن، وبلا أرض).
واللبنانيون في العالم لا تنطبق عليهم كلمة “دياسبورا” لأنهم ليسوا لبنانيّي الشَتات (أي الذين بلا وطن)، بل هم لبنانيو الانتشار اللبناني في العالم، انتشروا من أرض لبنان ولا يزالون أبناء هذا اللبنان الحاضر الثابت قوياً على أرضه وفي قلوب أبنائه.
وتوضيحاً أكثر لـ”مدام سايسون”: كلمة “دياسبورا” كانت أصلاً تعني اليهود الأصبحوا بعد السَبْي بلا وطن ، فنَزَحوا جماعياً من مصر الى بابل وظلُّوا مشرَّدين في الشَتات بلا وطن حتى اغتصبوا أرض فلسطين وأسَّسُوا عليها دولة إسرائيل فتوقَّفوا عن استخدام “دياسبورا” معتبرين أنهم لم يعودوا في الشتات بل صار لهم وطن (؟!) اغتصبوه “أرض ميعاد” من أهله في فلسطين.
لكن هذا الأمر، كما تلفّظت به “الستّ ميشال”، لا ينطبق على اللبنانيين إذ ليس للبنان أبناء في الـ”دياسبورا” (لأن اللبنانيين في العالم ليسوا أبناء شتات بلا وطن)، إلاّ إذا كانت بلاد “المسز سايسون” ذات رؤية بعيدة في الأوطان وترى أن مستقبل اللبنانيين سيكون في الشتات، أي في الـ”دياسبورا”.
في هذا السياق يوضح السفير فؤاد الترك (كبير خبرائنا في الموضوع) أنَّ اللبنانيين ثلاثة: مغترب (وُلِد في لبنان ثم غادر)، ومتحدّر (وُلِد في الخارج من أب مغترب ويَحمل جنسية البلاد التي وُلِد فيها)، والذي يَحمل الجنسيّتين معاً (جنسية البلاد التي وُلِد فيها والجنسية اللبنانية). وحسم السفير فؤاد الترك اللغط بين “مغتربين” و”مهاجرين” و”متحدِّرين”، بعبارة “عالم الانتشار اللبناني”، فوسَّع بذلك أفق لبنان في العالم، الى الـ”ساغا” اللبنانية المجيدة، أو الـ”أوديسيه” اللبنانية عبر التاريخ المجيد.
من هنا فلْيَكُن واضحاً لجميع الذين، مَحليين وأجانب، سياسيين ودبلوماسيين، طباخين أو متآمرين، متعاملين أو متواطئين، قاصدين أو بريئين من القصد، فاهمين أو غير فاهمين، أن لبنان الذي بات اليوم مِحور الاجتماعات الإقليمية والدولية، هذا البلد الضئيل الجغرافيا والديمغرافيا، هو العقل الذي يشع من ضآلته على الوساعة، مبدعاً خلاّقاً ناجحاً في كل حقل، يعرفه ذوو المعرفة في العالم ولا يمكن أيّ عقل لبناني في الانتشار أن ينكر لبنانه أو يفكر بأنه أصبح (أو سيصبح) بلا أرض أو بلا وطن.
فلْيفهم الجميع، مسز سايسون وجميع السايسونيين، أن لبنان الأعجوبي التاريخي الدهري أقوى من أن يكون وطناً ذا حدود على خارطة تتلاعب الدول الكبرى بأرضه أو شعبه أو منتشريه في العالم، لأن في لبنان قوةً لا يعرفها ميزان القوى. إنه وطن في وجدان التاريخ، والجغرافيا قد تطرأ تعديلات عليها وخطوط وحدود، لكنّ التاريخ ثابت في الزمان كأرز لبنان.
ولبنان باقٍ في أرضه وفي قلوب أبنائه المنتشرين، منارةً قد تَحجبها الغيوم السُّود لفترة، لكنها لا تطفئ شعلته التي لن تطفئها رياحُ الأرض مهما عصفَت عاتيةً، لأنّ نور لبنان عنوانٌ للتاريخ من أول التاريخ على الصفحة الأولى من كتاب التاريخ.