هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

525: رشِّحوه ولا تحشُروه

رشِّحوه ولا تحشُروه
السبت 8 كانون الأول 2007
– 525 –
كان الرئيس فؤاد شهاب يسمّيهم الـ”فروماجيست” (آكلي الجبنة). وكان يتعامل معهم على هذا الأساس، فيتعاطى معهم على مسافةٍ من الحذر والوعي (كي لا نستغلّ غيابه فنقول أكثر أو أقسى) ما جعله، عند استقالته الشهيرة في 20 تموز، لا يعود عنها حتى زحفوا جميعهم (جميعهم!) الى صربا، يَبُوسون يده كي يعود عن استقالته. وعند نهاية ولايته (1964) هرعوا من جديد طالبين إليه التجديد، فكان عزوفُه حاسماً حازماً، وانكفأ الى بيته في صربا، زاهداً في الحكم من جديد، متابعاً ثمار ست سنوات من بنائه الدولة ومؤسسات فيها هي من ركائز الدول في العالم. وهكذا، بعد ست سنوات، “هجَّ” الرئيس شهاب من وكر دبابير السياسيين على أيامه، وارتاح، ولو ان أقربين منه (حتى على عهده) “هجّجوا” الناس بتصرفات مُرَوَّسة وأحياناً فظّة.
على أن دبابير تلك الأيام تناسلوا في ذرّيّتهم أو في ذريّة قومهم، ولا يزالون يسوقون الوطن، تحت شعار دولة القانون والمؤسسات، بتَجاوُز القانون وتَخطّي المؤسسات، خدمةً لِمصالحهم وأنانياتهم وشخصانياتهم، وكل ذلك لِـ”خير” الشعب اللبناني الذي يدّعون الكلام باسمه والعمل من أجله وتحصيل حقوقه.
كيف يعملون على تحصيل هذه الحقوق؟ يتطاحنون على مطالب الـ”كوتا” السياسية والطائفية، كأن المواطن العادي تبلغه حقوقه إذا نال زعيم طائفته السياسي مقعداً وزارياً إضافياً، أو منصباً إضافياً في فئة أُولى، أو كرسياً إضافياً في كتلته النيابية.
أنا المسيحي الماروني من نصّ دين كسروان: من عاصمته جونيه، ماذا يبلُغني، وأنا المواطن العادي، إذا الطائفة المارونية اكتسبَت (بفضل هذا السياسي الماروني أو ذاك) مناصب إضافيةً في الدولة (وزارية أو نيابية أو فئة أُولى أو سواها)؟
المواطن اللبناني العادي اليوم (الذي لم يهجُر بعد لأنه لا يستطيع أن يهجُر) هل يشبَع أولادُه أو يدفع أقساط مدرسة أبنائه أو يؤَمّن دخلاً لعائلته، إذا نال زعيم طائفته حصة إضافية في الحكم؟ هل من أجل هذا يتناطح السياسيون؟ وها من أجل هذا، يتأخَّر الاستحقاق الرئاسي من أُسبوع الى أسبوعٍ الى أُسبوع، حتى التَمَّتْ علينا جميع الأُمم لاسترضاء خواطر دبابير السياسة (آكلي الجبنة=”الفروماجيست”، بتعبير فؤاد شهاب) الذين أجمعوا على العماد ميشال سليمان (لا بسعيٍ منه بل بقبول، ولا ببيانات ترشيحٍ منه وبرامجِ حكم بل بالأفعال والسلوك والحزم الذي يليق بجيشنا الغالي الحبيب)، وحين اكتشف الفريقان أن إجماعهما اجتمع على اسمه، أخذت تنهال الشروط والشروط المضادّة، والزيارات والزيارات المضادّة، والتصاريح والتصاريح المضادّة، حتى بات ترشيح قائد جيش لبنان لرئاسة لبنان رهناً بِمن هو الأسبق الى الترشيح، وبِمن يُملي عليه الشروط المسْبقة، وبِمن يزوره من أجل “وضعه في الصورة” أو من أجل “التلميح الى المطلوب منه للصورة”، وكل واحد منهم يتكلم باسم “أمّ الصبي”، والصبي يصرخ من الجوع والعطش والفقر والخوف والهجرة والاقتصاد الجامد والقلق الأمني، و”بيت بو سياسة” (بين “آذاريين” من هنا و”آذاريين” من هناك) عندهُم كلُّ الوقت ليضعوا الشروط المسبقة أو التمنيات المسبقة أو النصائح المسبقة لسيّد اليرزة الذي يريدونه جميعهم في بعبدا ويتناطحون أمامه على حواجز الطريق الى بعبدا، حردانين عنيدين متوترين موتورين لا يعجبهم عجب ولا يستقرّون على رأْي أو قرار، حتى لتنطبق عليهم الآية الكريمة (111 من سورة الأنعام): “ولو اننا نزّلنا إليهم الملائكة، وكلّمَهُم الموتى، وحشرنا عليهم كلَّ شيء قُـبُـلاً، ما كانوا ليؤمنوا”.
يا قائد جيش لبنان: انتهيتَ حازماً في “نهر البارد”، لكنّ على طريق هذه الجلجلة أمامكَ “أنهاراً باردة” كثيرة، لأن “الفروماجيين” كثيرون وقالب الجبنة واحد. فليكُن سيفُكَ قاطعاً كأرز لبنان.